تقرير محلي : لا انفتاح اقتصادياً مع الخضوع للقمع الفكري
لم يعد منع المفكرين والأدباء من دخول الكويت مجرد ظاهرة وقتية، بل بات إشكالية مستمرة تعانيها الدولة في السنوات الأخيرة، وما إلغاء الندوة الأخيرة للاستاذ الجامعي المصري د. يوسف زيدان التي كان مقرراً عقدها في أحد فنادق البلاد الجمعة الماضية، بعد ضغوط نيابية، إلا شاهد آخر على ما آل إليه ميزان الحريات من الانفتاح إلى القيود والتشدد.بالنظر إلى حالات المنع التي سيطرت على أنشطة الساحة الثقافية والفنية في البلاد، يتضح أن هذا التوجه ليس عشوائياً بل منظم يستهدف المجتمع المدني والحركة التنويرية في البلاد، وقد نجح تيارا «الإسلام السياسي» و«الديني المتشدد» في فرض قواعده الخاصة على الحكومة، فالضوابط أصبحت تحركها التهديدات السياسية لا الإجراءات «المتشددة» أصلاً، بل إن دخول المثقفين إلى البلاد أصبح رهن موافقة المتشددين وممثليهم في البرلمان، لا تبعاً لموافقات وزارتي الداخلية والإعلام.لقد سبق أن ألغت وزارات أنشطة فنية بعد تصعيد نيابي ديني، وأحيلت مذيعة في وزارة الإعلام إلى التحقيق بسبب كلمة عفوية صدرت منها، إذ كان التشدد أقوى منها، مما ترتب عليه إيقافها عن العمل.
في المقابل، هناك انفتاح واسع للندوات الدينية، واستضافة لرجال وشيوخ دين من خارج البلاد، يُعرَف عن بعضهم الأفكار المتشددة والطائفية، وهي أنشطة لا تخضع للإجراءات المعتادة، فهي خارج نظام الدولة ولكن بعلمها ورعايتها، وبعضها يتم في سراديب، وأخرى تعقد علانية في قاعات عامة.هل تتجه الحكومة نحو تحويل المجتمع الكويتي المنفتح تاريخياً إلى مجتمع ديني متشدد ومنغلق؟ أم أن خشيتها من مواجهة نواب الإسلام السياسي فرضت عليها تقديم تنازلات بهذا الحجم المؤثر على طبيعة الشعب وسلوكه؟المسار الذي تسير فيه الحكومة حالياً، بدعم التيارات الإسلامية والخضوع لوصايتها على المجتمع، لا يلتقي مع توجهاتها المعلنة بالانفتاح الاقتصادي وخططها المستقبلية بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي، فأي استقطاب للمستثمرين وحركة الدخول والخروج إلى البلاد ليست بيدها فعلياً؟ وأي تنمية لقطاع السياحة وكل نشاط يتطلب موافقة «المتشددين» قبل الجهات المعنية؟الكويت، التي عُرِفت تاريخياً بأنها الحاضنة العربية للمثقفين والأدباء والمفكرين، تحولت إلى طاردة لكل ما يتصل بالانفتاح، ولم تعد على قائمة الزيارة لكل من يحمل علماً أو رأياً، فخسرت مركزها الثقافي وتحولت إلى مركز ديني.