• كيف بدأت حكايتك مع فن المونودراما؟

- حكايتي مع فن المونودراما انطلقت عام 1989، عندما شعرت بأنني قادر على قيادة عمل بمفردي، بكل عناصر العرض المسرحي والإخراج عدا التأليف، وفي الوقت نفسه بلغت بمهرجان الكويت المسرحي الأول، إذ قدم الأخ العزيز الفنان عبدالعزيز الحداد عملاً، وكذلك الأستاذ الفنان محمد المنصور، وأنا بعمل ثالث، تحت عنوان "سباق مع الزمن" للمؤلف المسرحي كين هوفر، وقد رشح لي هذا النص الراحل د. محمد هناء عبدالفتاح الأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية وقتذاك، وهو من قام بترجمته إلى اللغة العربية الفصحى، فبدأت قراءة النص، ثم قمت بتنفيذ الديكور والحركة، وكنت ألجأ إليه حينما تستعصي علي بعض الأمور، لأنني أعمل في الليل، وهو ليس موجوداً، فألتقيه لمعرفة إجابة بعض الأسئلة التي تدور في ذهني، وكيف يفتح لي الأبواب.

Ad

• ماذا يتناول العمل؟

- يتطرق العمل إلى الوحدة والانعزالية، بسبب سلوك الشخص السيئ، الذي يهوى الرهان فيخسر كل ما لديه، ويصبح مفلساً وتتراكم عليه الديون، وكان ينتظر الفرج من خلال ورقة راهن بها، وفي الوقت نفسه يترقب دخول أصحاب الديون عليه في أي لحظة. وقد حاز العرض استحسان وقبول الحضور من بينهم الأستاذ حمد الرقعي، وبعض الشباب.

• أين عُرضت هذه الأعمال المونودرامية؟

- محمد المنصور قدّم عرضه في مقر مسرح الخليج العربي بالسالمية، أما أنا فعرضت عملي على مسرح الدسمة في 31 مارس 1989، وعبدالعزيز الحداد على مسرح كيفان، فشغلنا هذا الفراغ وقتذاك، وكل عمل كان يحمل هماً، وكأن الممثل يتحدث عن جزئية محددة في حياته، ولله الحمد كانت التجربة الأولى ناجحة ورائعة للغاية، رغم أنها من دون جوائز.

قضايا الإنسان

• ما هَم فنان المونودراما؟

- إن القضية الرئيسة تكمن في أن الفنان في ذلك الوقت كان يحمل هماً سواء لمجتمع بكل أطيافه، أو طيف من أطياف مجتمعه ويتحدث عنه، هذا الفن ملتصق بالمجتمع وقضاياه، سواء كان هذا المجتمع محليا أو عربيا، ويحمل حساً قومياً أو وطنياً في الوقت نفسه.

والمونودراميست فنان يهتم بقضايا الإنسان، فيحاول ان يعبر عن كينونته، بشكل أبعد من شخصيته لأن هناك شريحة كاملة في المجتمع، يمثلها لأنه يحمل همومهم وآراءهم.

الأعمال الثلاثة كانت متنوعة في الهموم، لكنها تؤكد نضج الفنان الكويتي في تلك الفترة، حيث تبنى الفنان المسرحي مهمة العمل بأكمله، وهذا بحد ذاته جرأة، واليوم نحن بحاجة إلى المونودراميست، الذي يحمل هموم هذا المجتمع الكبير، لكن ليس بمفرده، لأننا كلنا نقول ونتشدق بأن ما يحدث في عالمنا العربي هو أمر مأساوي، فلسنا كفرق أهلية مجتمعة في الوقت الراهن نستطيع أن نقدم هذه القضية ونتصدى لها مثلما كنا سابقاً، فالمسارح الأهلية الأربعة كانت تتصدى للقضايا القومية والوطنية، أما اليوم فلا أفراد ولا فرق إلا ما ندر.

الفرق الأهلية

• دعا البعض سابقاً إلى فكرة ضم كل الفرق الأهلية تحت راية فرقة واحدة فقط... فما رأيك؟

- أنا ضد هذا الرأي، لأن هذه الفرق الأربع (الشعبي، والعربي، والخليج العربي، والكويتي) هي دعامات للفن والفنان المسرحي الكويتي، ومؤسس هذه الدولة الحديثة، أبوالدستور المغفور له الشيخ عبدالله السالم، أمير الكويت الحادي عشر، عندما وضع في اعتباره دور المسرح والفنان في تنمية المجتمع، وهذا لم يأت من فراغ، بل بعد دراسة، فقد أنشأ دور العرض قبل أن تظهر هذه الفرق، على الرغم من أن فرقة المسرح الشعبي هي أول فرقة مسرحية في الكويت، قد أنشئت عام 1954 تحت اسم فرقة "الكشاف الوطني"، التي أسسها الرائد المسرحي الراحل محمد النشمي، ورفاقه من بينهم حسين غلوم – الله يمده بالصحة والعافية- فهو الوحيد الباقي على قيد الحياة من المؤسسين.

وعرضت الفرقة أول تجربة مسرحية لها في أوائل عام 1955 بعنوان "مدير فاشل" من تأليف وإخراج محمد النشمي.

نعود إلى مؤسس الدولة الحديثة، فقد كان قبل الاستقلال يبني الحياة الفنية، وشهدنا أثرها بعد الاستقلال في ستينيات القرن العشرين، على مستوى الأدب، والثقافة، والفن في كل جوانبه الموسيقى والغناء والكلمات والأوبريتات والمسرح والأعمال المسرحية التي لم تقدم في منبعها، كنا نقدمها لأننا نمارس حقنا في إبداء الرأي كفنانين على خشبة المسرح، وهذا ما يكفله لنا الدستور، فهل نحن مازلنا موجودين داخل الدستور أم لا؟ هذا هو السؤال، لأنني فقدت ذلك منذ عام 1991، لقد فقدت الإشارة إلى الفنان والأديب في مجلس الأمة.

فبدلاً من اختزال هذه الفرق المسرحية الأربع العريقة بتاريخها وبصماتها الفنية، على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أو مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي إنشاء فرقة مسرحية جديدة تتكون من الفنانين المخضرمين وبعض الشباب، ومن ثم يتم تقديم أعمالها على مسرح هذا المجمع الثقافي الكبير، ويكون لها موسم مسرحي. وبدلاً من إلغاء تاريخ هذه الفرق الأهلية لا بد من محاولة إنعاشها من جديد، للدخول في عملية التنافس الشريف بأعمال جماهيرية كما كانت في فترتها الذهبية في مواسم صيفية وشتوية. فأي فرقة تقدم عملاً متميزاً، تتحفز الفرقة الأخرى لتقديم أجود ما لديها. وكان صالح شهاب، يضع على كاهل أهل المسرح، المشاركة في الترويح السياحي في فترة الصيف، وكنا نشارك فيها.

نجاح «علي جناح التبريزي»

• كيف كان التنافس بين الفرق؟

- الحركة المسرحية سالفاً، كانت دؤوبة، وبعد ما حققته مسرحية "علي جناح التبريزي وتابعه قفة" لفرقة المسرح الأهلي، التي كوّنها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في زمن الراحل عبدالعزيز حسين، كفرقة مسرحية تحت مسمى فرقة "المسرح الأهلي"، وتم اختيار هذه المسرحية للكاتب المصري المبدع ألفريد فرج، وإخراج صقر الرشود، وضمت الفرقة عناصر تمثل الفرق المسرحية الأربع، وكنا بمنزلة المنتخب، فهذه الفرقة، جمعت نجوم الكويت من خلال نص عربي ثري في طروحاته ومعانيه، ومعالجة مسرحية شكلت نقلة في المسرح في الكويت والعالم العربي، وقد حققت نجاحاً كبيراً في مهرجان دمشق المسرحي عام 1975، كأفضل عرض، وهي باللغة العربية الفصحى يتخللها بعض المفردات الكويتية، هذه التجربة الغنية، جعلت فرقة المسرح الشعبي تخوض غمار تجربة مسرحية باللغة العربية الفصحى، بعنوان "رأس المملوك" (1977) للكاتب المسرحي المبدع الراحل سعداالله ونّوس، وتصدى لإخراجها الأستاذ أحمد عبدالحليم، التي واصلت نجاحها الفني والجماهيري لمدة 30 يوماً، في الكويت، بواقع عرض واحد في اليوم، أما سبب توقف عروضها بعد ذلك، فذلك لأن ثمة فرقة أهلية أخرى لديها حجز بعدنا.

ولعل هناك الكثير من الأعمال ذات القيمة على صعيد الشكل والمضمون، مثل "رسائل قاضي إشبيلية" (1978) لفرقة المسرح الكويتي، تأليف ألفريد فرج وإخراج سعد أردش، وتم اختياري في فريق التمثيل مع سعاد عبدالله وأحمد مساعد والراحل خليل زينل وغيرهم.

"نورة" تأليف جاسم الزايد (1978) و"القضية خارج الملف" (1989) تأليف مصطفى الحلّاج، وكلاهما لفرقة المسرح العربي ومن إخراج الراحل فؤاد الشطي، و"حفلة على الخازوق" (1975) لفرقة مسرح الخليج العربي، من تأليف الراحل محفوظ عبدالرحمن وإخراج الراحل صقر الرشود.

حرية الطرح

• ما الذي اختلف الآن عن الزمن السالف؟

- أيام العصر الذهبي للمسرح، كان المؤلف يكتب قضية اليوم، ويعرضها بعد شهر، وكنا نتمتع بحرية الطرح والرأي من خلال الرقابة الذاتية، ككتّاب أو ممثلين أو مخرجين. وفي افتتاح مهرجان أيام المسرح للشباب قبل خمس سنوات تقريباً، طلبوا مني أن أقول جملة عن هدم المسرح، فارتجلت حواراً نابعاً من داخلي، كممثل مونودراما، وقلت هدم المسرح هو هدم للثقافة ولعمود من أعمدة التي وضعها مؤسس الدولة الحديثة التي تعتمد على الثقافة، وروافدها كثيرة من كاتب ومخرج وممثل وملحن وشاعر ومطرب.

كنا نتعاون فيما بيننا كفنانين، على سبيل المثال، في المسرح الشعبي كنت تجد الملحن خالد الزايد يتعاون معنا في أغنية، وأيضاً الملحن غنّام الدّيكان والشاعر بدر بورسلي، كما كان البعض منا يذهب إلى عبدالله زكريا الأنصاري للاستفادة من علمه وثقافته، فالحياة كانت وقتذاك مختلفة عن اليوم الذي طغت عليه الأمور المادية، دون الاكتراث بالقيمة الفنية والمضمون.

وهذا ترك أثره، لما نعيشه من حالة الركود أو السقوط إن صح التعبير، على الفن والأدب والمسرح في عالمنا العربي.

أسباب السقوط

• ما أسباب هذا الركود أو السقوط حسب تعبيرك؟

- ترجع الأسباب إلى أمرين، هما توقف مهرجان بغداد المسرحي، وتوقف مهرجان دمشق المسرحي، لأنهما التجمع الخاص بالفنان العربي، ومن خلالهما يتم التنافس على تناول القضايا العربية والقومية التي تهم المجتمع العربي، ومن ثم كيفية عرضها وطرحها، أما اليوم فإذا أردت المشاركة فسيكون بمسرحية في أي مهرجان لا تتعدى ساعة وربع الساعة، وتعرض للنخبة فقط وليس على الجمهور بمختلف شرائحه، فمقومات العمل الجماهيري تختلف عن (الموتيفات) التي تقدم في المسرح النوعي أو النخبوي، وهذا ما اختلف معه لأن المسرح للجمهور، فنحن من نحمل همومه، لذا علينا المحاولة لاستقطابه إلى المسرحية.

دعم التجّار

• كيف تدبرون الدعم المادي كفرق أهلية؟

- في السابق كانت موازنة الفرق الأهلية السنوية لا تتعدى ستة آلاف دينار، منها خمسة آلاف تدفع قيمة إيجار المقر، ويتبقى لنا ألف دينار فقط، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه تربطنا علاقة طيبة مع الكثير من التجار، من بينهم خالد صالح الغنيم (بو سليمان) - رحمه الله - الذي دعمنا بمبلغ من المال في الكثير من أعمالنا المسرحية، حيث كان متحمساً لدعم الحركة المسرحية، وبودنا أن تعود هذه الأيام.

• إلى ماذا تتطلع في وقتنا الراهن؟

- أرجو من اللجنة الإعلامية والثقافية في مجلس الأمة أن تقف مع الفنان الكويتي لا ضده، خاصة في الأعمال التراثية، وأن نكون يدا بيد، فنحن لا نتطلع إلى المكسب المادي كثيراً، لأننا اكتسبنا حب الناس ومعرفتهم، سواء داخل الكويت أو خارجها، وما نريد أن نحقق الآن من مكاسب هو لآخرتنا كجيل، فماذا قدمنا لهذا المجتمع؟ أسأل نفسي وكذلك زملاء الدرب من جيلي، فالعمل هو الباقي، على سبيل المثال مسرحية "سكانه مرته"، للراحل العم عبدالرحمن الضويحي (بوضاحي)، التي سجل فيها لحظة تطوّر الكويت وبداية اختراق هذا المجتمع بدخول السائق، ومسرحية "كازينو أم عنبر" والنقد الذاتي الجميل، ومسرحية "الجنون فنون".

• ما مشاريعك الفنية المقبلة؟

- أستعد لتصوير مسلسل "لا موسيقى في الأحمدي"، مع المخرج محمد دحام الشمري بعد شهر رمضان، وهو من تأليف منى الشمري.

إذاعة الكويت بخطتها المدروسة تجاوزت المحلية

أكد النبهان أن إذاعة الكويت لا تزال باقية على خطها في الدراما المحلية وتجاوزتها، وهنا لابد من الإشارة إلى البرنامج المتميز "نافذة على التاريخ" الذي يبث منذ عام 1977 وإلى اليوم، وقد حقق جماهيرية كبيرة، وهو نافذة على التاريخ في المجتمع الإنساني، التي تسلط الضوء على أهم الأحداث الإنسانية وتطورها، وكانت إذاعة دولة الكويت تصدر هذا البرنامج إلى الكثير من إذاعات الدول الخليجية والعربية، وهذا ما يؤكد وجود الخطة المدروسة، وكذلك البرنامج المتميز "نجوم القمة" الذي انطلق بثه منذ عام 1987 ولا يزال مستمراً. إن إذاعة الكويت معهد احترافي كي يتقن الممثلون اللغة العربية الفصحى، وبمخارج حروف سليمة، والتلوين الأدائي.

المسرح محاكاة للواقع

لفت النبهان إلى أن ما يقدم الآن من أعمال مسرحية في المناسبات، له أثر مباشر على الجمهور المتلقي، والأجيال القادمة، وأصبح من يرتاد المسرح لا يسأل عن موضوع العمل ولا شكله الفني، بل يسأل عن الممثل الفلاني هل هو مشارك؟ كي يشاهد المسرحية، لذا من النادر جداً أن ترى عملاً يعالج قضية إنسانية أو يتناول نصاً لكتاب عالميين، فأكثر ما يعرض هو ليس بالصورة الحقيقية للمسرح، فالمسرح ليس فيديو كليب لأغنية، أو تشغيلا لشريط والممثل عليه أن يحرك شفتيه فقط، إن المسرح محاكاة للواقع وحس وحرارة، عندما نشاهد عملاً أوروبياً نجده يستمر سنوات طويلة، الشخوص تتغير ولا تزال المسرحية كما هي بلا هنات، خلاصة الحديث ليس في المسرح ما يسمى "بلاي باك"، فهو حي.