كرمت جمعية أكسفورد للأدب العالمي الشاعر اللبناني جودت حيدر من خلال ندوة حول آثاره في كلية سانت جونز التابعة لجامعة أوكسفورد في مدينة أوكسفورد البريطانية بعنوان «التسامح وعالمية أفكار الشاعر من خلال أدبه»، شارك فيها الدكتور سحر حمودة (أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة الإسكندرية) التي تناولت البعد الإنساني في شعر حيدر وموقفه من الأحداث التي أثرت في لبنان والعالم، والدكتور إبراهيم الحصري الذي أكد أن الشاعر جودت حيدر احتل موقعاً عالمياً متقدماً بالمقارنة مع النقاد والباحثين في موضوع التسامح. هذا التكريم ليس الأول من نوعه لجودت حيدر (1905 – 2006) خارج بلده، فقد سبق أن كرمته مكتبة الإسكندرية في الذكرى السنوية الثامنة لرحيله، ولمناسبة تلقيها الأعمال الكاملة له فضلا عن مكتبته الخاصة، وذلك في احتفال شارك فيه الدكتور دياب يونس (أستاذ علم الحقوق في الجامعة اللبنانية) الذي أكد أن جودت حيدر، يحمل لبنانه وعروبته ومشرقيته في دمه وروحه وقلبه واللسان، ويرتّل بنبرات النبيّين رُؤىً كونية.
كذلك شارك فيه الدكتور حسن طلب (أستاذ الفلسفة في جامعة حلوان، ونائب رئيس تحرير مجلة الإبداع سابقاً) الذي اعتبر أن جودت حيدر من الشعراء الفلاسفة، لأن من يقرأ قصائده بالإنكليزية يشعر بأنه أمام شاعر يخاطب الضمير الإنساني.وأضاف: «يعتبر الشاعر جودت حيدر أن الانسان جزء من الطبيعة وعليه أن يعي ذلك جيداً ليكون خادماً للطبيعة وتكون خادمةً له، وليس من الغريب أن نجده أول من تحدث عن التلوث الذي نعانيه الآن».كذلك شارك الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي أوضح أن الشعر لم يكن بالنسبة إلى جودت حيدر مجرد صنعة أو موهبة، ولا مجرد هواية أو زينة، بل كان نشاطاً وجودياً يمارسه بعمق وتطهّر كأنه يؤدي طقساً شاعرياً، وأن جودت حيدر ظلّ قادراً على الاستمرار في الحياة بعدما تجاوز المئة.
محطات من حياة
لم تكن حياة جودت حيدر منذ أبصرت عيناه النور في مدينة بعلبك اللبنانية عام 1905 سهلة، ففي خضم الحرب العالمية الأولى، نفت السلطات العثمانية والده وإخوته إلى الأناضول هو لم يتجاوز العاشرة من عمره، فعانى ظروفاً صعبة للغاية واضطر عام 1915 إلى اللحاق بهم متحملاً مشقة السفر بمفرده. ومع انتهاء الحرب عادت العائلة من المنفى إلى بعلبك.منذ بداياته استهواه عالما الشعر والزراعة ولمس رابطاً بينهما وحاول التوفيق بينهما، فهو ابن البقاع اللبناني الذي يقوم اقتصاده على الزراعة وابن حضارة عريقة في الشعر والأدب. بعد نيله الشهادة الثانوية من استعدادية الجامعة الأميركية في بيروت (Freshman) سافر إلى فرنسا ودرس في ليسيه دو بارك في ليون، بعد ذلك سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية ودرس في كلية الزراعة في جامعة AM & C College Station ، وكل همه العمل على حل المشاكل التي تعترض الزراعة في لبنان واستحداث قوانين لتطويرها. بعد تخرجه انخرط في جامعة North Texas State University ونال شهادة بكالوريوس في التربية والتعليم. بعد عودته إلى لبنان عمل في حَقلي التربية والتعليم والإدارة التربوية (الجامعة الوطنية في عاليه وكلية النجاح في نابلس/فلسطين)، وتولى منصب مستشار في شركة نفط العراق (IPC) في طرابلس-لبنان، لكنه استقال عام 1965 وتفرّغ للأدب والشعر والاهتمام بالزراعة.أسّس «واحة الأدب في البقاع» في منزله في بعلبك، ونظم مهرجانات شعريّة حضرها شعراء كبار من لبنان والخارج. توفي عام 2006 عن عمر يناهز مئة وسنة.حاز أوسمة عدة من بينها: وسام الاستحقاق اللبناني المذهب (1951)، وسام الكسندر الثالث بطريرك سورية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس (1954)، وسام كرياكوس السادس بابا الاقباط (1955)، وسام الصليب برتبة ضابط أكبر من الدولة الفرنسية (1957)، وسام البابا يوحنا الثالث والعشرين (1959)، وسام الكرسي الأورشليمي (1959)، وسام الكرسي الأسقفي في القدس (1959)...من مؤلفاته: «أصوات» (1980)، و«أصداء» (1986)، و«ظلال» (1988) دواوين شعرية باللغة الإنكليزية. أعاد طباعة نتاجه الشِّعري ضمن مجموعة ثلاثية كاملة (1999). أصدر سيرة حياته في كتاب «مشوار العمر» (2002). كذلك أصدر ديوانSelected Poems 101 باللغة الإنكليزية في نيويورك (2006).جمعية أصدقاء جودت حيدر
أسست «جمعية أصدقاء جودت حيدر» برئاسة الدكتور روحي البعلبكي عام 2008، غايتها تخليد ذكراه وإحياء تراثه الشعري ونشر مؤلفاته، وتشجيع البحث الأدبي والعلمي. يصف د. روحي بعلبكي جودت حيدر بأنه من شعراء النخبة العالية مثل جبران واللورد بايرن، ويرى أن أهميته تكمن في أنه نقل إلى الغرب مجالات الفكر الشرقي وطور أفكاراً غربية إلى أحاسيس شرقية.يضيف: «حين كتب بالإنكليزية كان مبتكراً غير مقلد ومجدداً. سياسته اللطف لا العنف والمحبة لا الكراهية، لذلك حلم بمدينة فاضلة ولديه رؤية تنويرية نهضوية، ركز من خلالها على جوهر الإنسان المتحرر في مجتمع ينعم بالمساواة وتكافؤ الفرص».