حياد كازاخستان يزعج روسيا ويوتر العلاقات الثنائية
تعكس التطورات الأخيرة في أرمينيا، حيث سارع الرئيس السابق الذي تبوأ منصب رئيس الوزراء إلى التنحي في وجه التظاهرات الكبيرة التي نزلت إلى الشارع في 23 أبريل، ضعفاً محتملاً في التحالفات الإقليمية الروسية، وشكّل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي عماد الدبلوماسية الروسية بعد الاتحاد السوفياتي منذ تأسيسه عام 2014 عقب عقدين من التجارب الإقليمية المتنوعة التي هدفت إلى بناء التكامل التجاري والاقتصادي. لهذا الاتحاد ثلاثة أعضاء مؤسسين: روسيا وكازاخستان وروسيا البيضاء، ثم انضمت إليها لاحقاً أرمينيا وقيرغيزستان، في شهرَي يناير وأغسطس عام 2015 على التوالي، ولكن بين أعضاء هذا الاتحاد يترأس أرمينيا اليوم قائد وعد بالحفاظ على روابط بلده الأمنية والسياسية اللصيقة مع روسيا، فيما دعا في الوقت عينه إلى تطبيق أجندة تقوم على سياسة "أرمينيا أولاً". كذلك تخوض روسيا البيضاء دوماً مواجهات مع روسيا في مسائل عدة، من إمدادات النفط إلى تجارة الحليب، أما قيرغيزستان فلم تسامح روسيا بعد على انسحابها عام 2015 من مشروع ضخم لإقامة محطة طاقة مائية كانت قد وافقت عليه قبل ثلاث سنوات.
في هذه الأثناء كانت قيرغيزستان حليف روسيا الرئيس داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وفي المدار السوفياتي السابق الأشمل، وستبقى كذلك لفترة طويلة على الأرجح. رغم ذلك لا تُعتبر العلاقات بين هذين البلدين هادئة في الوقت الراهن، فقد وقّع الرئيس الكازاخستاني نزارباييف على قانون يعدّل بروتوكول سبتمبر عام 2017 بين بلده والولايات المتحدة بغية تخصيص نقطتي عبور إضافيتين في كازاخستان لسلع الجيش الأميركي من أفغانستان وإليها. صحيح أن التقارير عن قيام هذا الاتفاق الإضافي انتشرت منذ أكثر من نصف عام، إلا أن أخبار الموافقة عليه نهائياً أثارت ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الروسية، فقد عبّر النائب الأول للجنة الدوما لشؤون رابطة الدول المستقلة، قسطنطين زالوتين، علانية عن قلقه واشتكى من أن كازاخستان تعرب عن الحياد في المسائل المرتبطة بروسيا، في حين تشير باستمرار إلى "التعاون الاستراتيجي" مع الولايات المتحدة.بغية التخفيف من المخاوف وتبديد القلق، أصدرت سفارة كازاخستان في موسكو بياناً رسمياً أكّدت فيه أن روسيا كانت قد عقدت مع الولايات المتحدة اتفاقاً مماثلاً للعبور العسكري من أفغانستان وإليها، ولكن لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن المناظرة العامة الأخيرة بشأن تقوية الشراكة بين كازاخستان وروسيا أطلقها في روسيا الصحافي البارز فلاديمير سولوفييف المقيم في موسكو، إذ يقدّم هذا الصحافي برنامجاً حوارياً يومياً يُبث على صعيد الأمة على Vesti، واحدة من المحطتين التلفزيونيتين الروسيتين الأكثر شعبية (إلى جانب القناة الأولى)، حيث جاءت تعليقاته عقب جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 14 أبريل التي امتنعت خلالها كازاخستان عن التصويت على قرار تدعمه روسيا ويدين ضربات الولايات المتحدة وحلفائها الجوية في سورية. في وقت سابق أثارت روسيا في شهر مارس جدلاً لم يدُم طويلاً رداً على قرار كازاخستان منح المواطنين الأميركيين القدرة على دخول أراضيها بدون تأشيرة دخول ضمن إطار رزمة إصلاحات هدفها جذب المزيد من الاستثمارات والزوار الأجانب إلى البلد، فقد علّق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه كان على كازاخستان أن تستشير موسكو قبلاً لأن المواطنين الأميركيين الذين يسافرون إلى كازاخستان من دون تأشيرة دخول يستطيعون العبور إلى روسيا باستغلالهم بطريقة غير مشروعة لنظام الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يلغي تأشيرات الدخول.سمح اللقاء الأخير بين نزارباييف وبوتين في سوتشي لهذين القائدين بإعادة تأكيد صداقتهما الشخصية والروابط الاستراتيجية التي تجمع بين الأستانة وموسكو، سواء كانت ثنائية أو ضمن إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، كذلك انتقد الرئيس الكازاخستاني وسائل الإعلام لإساءتها تفسير خلافاتهما وتضخيمها الصعوبات التي لا مفر منها، لكن الوقائع تُظهر أن العلاقات الروسية-الكازاخستانية تضررت على نحو فادح بسبب ضم روسيا القرم في مطلع عام 2014، ودعمها الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وتعرض موسكو لموجات عدة من العقوبات الغربية، ومساعدة الجيش الروسي سورية، وعدد من المسائل الأخرى. وهكذا تحولت روسيا تدريجياً من شريك مستقر وحليف عسكري إلى عبء على كازاخستان، التي طمحت سياستها الخارجية المتعددة الاتجاهات منذ تسعينيات القرن الماضي إلى بناء روابط مثمرة مع كل جيرانها وشركائها حول العالم، بما فيهم أوروبا والولايات المتحدة والحفاظ عليها.* جورج فولوشين*«ريل كلير ورلد»