لحظات وانفرجت أسارير طالب كلية الهندسة مجدي عندما لمح صديقه المقرب الشاب طارق الطالب في السنة النهائية بكلية الحقوق يجتاز بوابة الجامعة ويقترب إليه. لم ينتظر مجدي وصول صديقه. هرول إليه وسأله في لهفة:عملت إيه يا طارق. واتأخرت كده ليه؟
ردّ طارق وأنفاسه تتلاحق قائلاً:اتبهدلت يا مجدي لحد ما لقيت باكيتة البانغو!نعم يا أخويا. باكيتة واحدة بس؟يا عم أحمد ربنا. المهم إننا معانا مزاجنا النهاردة. - طيب وبكرا حاتبهدل برضه زي النهاردة.وارتسمت ابتسامة على شفتي مجدي وقال لصديقه ساخراً:ده لو طلع علينا بكرا. الباكيتة دي شكلها نار يا معلم!
سيجارة
انطلق الطالبان الصديقان يغادران بوابة الجامعة. استقلا سيارة مجدي طالب الهندسة الفارهة الذي ترك عجلة القيادة لصديقه طارق وجلس إلى جواره. وبسرعة وخفة تناول مجدي طبقاً وأفرغ فيه كمية لا بأس بها من تبغ السجائر، ثم راح يخلطها بنبات البانغو المخدر وبدأ يفركها ثم أخرج من جيبه «دفتر البفرة»، وراح بإتقان يلف سيجارة وناولها لصديقه طارق قائلاً:أحلى صباح يا عم طارق!وتلقى طارق السيجارة المحشوة بالبانغو. اشعلها ونفث دخانها في تلذذ واشتياق بينما انشغل مجدي في إعداد كمية أخرى من السجائر المحشوة بالبانغو. وطبعاً لم يفته أن يشعل سيجارة لنفسه!سيارة مجدي الفارهة التي كان يقودها طارق كانت تجوب شوارع مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية (85 كيلومتراً شرق القاهرة) بلا هدف تماماً مثل الشابين الجالسين في داخلها. هما أيضاً لم يكن لهما هدف في الحياة سوى تدخين السجائر المحشوة بمخدر البانغو بعدما سقطا معاً في بئر إدمان المخدرات منذ أول يوم لدخولهما الجامعة.انتهت كمية السجائر المحشوة بمخدر البانغو معهما. وكان ذلك يعني نهاية اليوم بالنسبة إلى الشابين مجدي وطارق اللذين جلسا مستلقيين على مقعديهما داخل السيارة التي توقفت إزاء منزل طارق قبل أن يغادرها الطالب ويتركها لصاحبها، وعندما همّ بالصعود إلى منزله قال له صديقه مجدي بلسان ثقيل:نوم عميق
يا طارق لازم بكرا نتصرف ونجيب بانغو أكتر. أنا مش حاسس أني مبسوط النهاردة.لم يرد طارق على صديقه. لم يقو لسانه على نطق أية كلمة. غادر السيارة وانطلق بصعوبة يصعد سلالم العمارة حتى وصل إلى شقته. فتح الباب وانطلق بأقصى سرعة إلى غرفة نومه من دون أن يرد بكلمة على أحد من أفراد أسرته المكونة من والده الموظف الكبير في إحدى الهيئات الحكومية، ووالدته ربة المنزل، وشقيقيه الأصغر منه أحدهما طالب في السنة الأولى بكلية الطب جامعة القاهرة والآخر في الثانوية العامة. ألقى طارق بجسده فوق السرير وراح في نوم عميق حتى الصباح. أما مجدي فلم يستطع قيادة سيارته حتى منزله. غاب عن وعيه تماماً ولم يفق إلا مع ضوء الشمس ليجد نفسه نائماً على مقعده داخل السيارة فهرول مذعوراً إلى منزله وقاد سيارته بسرعة كبيرة لعله يصل إلى البيت قبل أن يستيقظ والده صاحب إحدى شركات المقاولات الكبرى ويقلب عليه الدنيا!في اليوم التالي
في صباح اليوم التالي عندما التقى الصديقان مجدي وطارق في فناء الجامعة، ضحكا طويلاً وكل واحد منهما راح يروي للآخر عما حدث له مع أفراد أسرته وهو تحت تأثير المخدر. ولكنهما سرعان ما توقفا عن الضحك. وقال مجدي في حدة:كفاية ضحك بقى. خلينا في المصيبة بتاعة النهاردة!وقبل أن يستفسر طارق عن مصيبة اليوم. أضاف مجدي قائلاً:حنجيب بانغو منين وإزاي؟ أنا عن نفسي مفلس!تعال معايا. قالها طارق وهو يجذب ذراع صديقه وانطلقا بسيارتهما إلى مركز بلبيس الذي يبتعد عن مدينة الزقازيق مسافة 20 كيلومتراً فقط ويشتهر بوجود عدد من كبار تجار المخدرات والذين يحصلون على تجارتهم من نبات البانغو المخدر عن طريق تهريبه لهم من بدو سيناء.وفي الطريق، أكّد طارق لصديقه مجدي أنه تعرف منذ فترة إلى أحد كبار تجار المخدرات في بلبيس وأنه يستطيع أن يأخذ منه ما يريد من مخدرات ثم يسدِّد الثمن في أي وقت آخر. فرح مجدي بكلمات صديقه التي خرجت على لسانه وإن راح يوبخه لأنه أخفى عليه هذه الأخبار الجيدة. في مركز بلبيس وبعدما اجتاز الشابان بسيارتهما طرقاً وعرة في الصحراء، قابلا عبد الله تاجر المخدرات الشهير هناك والذي ناولهما البانغو من دون مقابل مع وعد منهما بأن يحضرا له الثمن بعد يومين على الأكثر.الاستمتاع باللحظة
عاد الطالبان مجدي وطارق إلى مدينة الزقازيق والفرحة تملأ قلبيهما بعدما حصلا على البانغو من دون أن يدفعا فيه مليماً. وكما سبق وذكرنا فإن الشابين كانا كما يقال في الامثال «يعيشان اليوم بيومه». كان هدفهما الاستمتاع باللحظة الحاضرة من دون عمل حساب للغد أو المقبل.العلاقة التي ربطت بين عبد الله، تاجر المخدرات وبين طالبي الجامعة مجدي وطارق، كانت تتوطد يوماً بعد الآخر، خصوصاً بعدما زادت حاجتهما إلى المخدرات، وكانا يحصلان عليها بسهولة وبمجرد مشوار لا يستغرق ربع ساعة إلى مركز بلبيس حيث التاجر اللطيف عبد الله! مرت الأيام سريعاً، وسقط مجدي وطارق في براثن صديقهما تاجر المخدرات عبد الله أكثر وأكثر حتى أصبحا مدينين للتاجر الشهير بمبلغ كبير لم يتمكنا من سداده دفعة واحدة. وما زاد الطين بلة كان ما وقع للصديقين مجدي وطارق من مفاجاة لم يتوقعاها عندما توجها ذات يوم للحصول على كمية من مخدر البانغو من عبد الله وفوجئا به يرفض منحهما أية كمية من المخدرات إلا بعد سدادهما دينهما كاملاً. قال عبد الله بلهجة مغايرة تماماً:** لا يا شاطر انت. تدفع تاخد البانغو! ووقف الشابان مذهولين من تغير أسلوب صديقهما تاجر المخدرات وصامتين حائرين لا يعرفان ماذا يفعلان أو كيف يتصرفان في هذه الورطة المفاجئة!الكارثة أن حاجة مجدي وطارق إلى تعاطي المخدرات في تلك الليلة كانت شديدة. واستغل عبد الله الموقف لصالحه تماماً، خصوصاً بعدما لاحظ حيرة الطالبين وعدم تمكنهما من الخروج من المأزق. وبعد لحظات طويلة من الصمت قال تاجر المخدرات:خلف أسوار الجامعة
** شوف منك له أنا عندي حل.وبلهفة غريق عثر على قشة يمسك بها هتف مجدي وطارق في نفس واحد:موافقين. ايه هو الحل؟طلب عبد الله من الشابين أن يسددا دينهما له عن طريق مساعدته في تجارته! أخبرهما بأن يبيعا البانغو لزملائهما في الجامعة وفي المقابل ينالان نصيبهما من المخدرات مجاناً، كذلك سيسقط عنهما دينهما القديم. وتحت تأثير الحاجة الشديدة إلى تناول جرعة من المخدر، وافق الشابان على عرض صديقهما تاجر المخدرات. وتسلما منه كمية من نبات البانغو لبيعها خلف أسوار الجامعة!في طريق العودة من مركز بلبيس إلى مدينة الزقازيق ساد الصمت بين الصديقين مجدي وطارق. كانا يفكران في المصيبة التي حلت بهما وكيف سيتصرفان مع تاجر المخدرات الذي هددهما بين كلماته المعسولة بأن عدم تنفيذ أوامره يعني قتلهما، فالموضوع جاد ولا يحمل المزاح أبداً!مخاوف
لم ينم مجدي يومها، ولا طارق عرف طعماً للنوم. ظلّ الصديقان عبر الهاتف يناقشان الأمر طوال الليل وكل منهما يسرد للآخر مخاوفه سواء نفذ أوامر تاجر المخدرات وانكشف أمرهما لرجال الشرطة، أو رفض تنفيذها وأصبح في مرمى تهديدات عبد الله تاجر الموت.انتهت المكالمة الطويلة بين الصديقين مجدي وطارق وقد اتخذا قرارهما بتنفيذ أوامر تاجر المخدرات. بدءا في ترويج المخدرات لمن يريد من زملائهما المدمنين. وبعد بيع كل الكمية توجها إلى بلبيس وسلما التاجر أمواله وسلمهما كمية جديدة من المخدرات لتوزيعها في الجامعة.التاجر الكبير
رجال مباحث المخدرات لمحوا سيارة الطالب الجامعي مجدي تتوقف إزاء منزل عبد الله تاجر المخدرات الشهير أكثر من مرة فراحوا يراقبونه وزميله طارق ويجمعون المعلومات عنهما وتأكدوا أنهما يبيعان المخدرات داخل الجامعة لحساب التاجر الكبير.وذات يوم وبمجرد أخذ مجدي وطارق دفعة جديدة من لفافات البانغو من التاجر عبد الله لبيعها داخل أسوار الجامعة، فوجئ الجميع برجال مباحث المخدرات وقوات الأمن المرافقة يحيطون بالمكان ويطالبونهم بالاستسلام وعدم المقاومة.زلزال
وقع خبر إلقاء القبض على الشابين الجامعيين على مسامع أفراد أسرتيهما وزملائهما بالجامعة كالزلزال. لم يصدق أحد أن مجدي وطارق أصبحا تاجري مخدرات وأنهما ضُبطا وفي حوزتهما ستة كيلوغرامات من نبات البانغو المخدر. المتهمان مجدي وطارق وإن أنكرا التهم في البداية إزاء رجال الشرطة كذلك في تحقيقات وكيل النائب العام، فإنهما لم يستطيعا الصمود طويلاً إزاء محكمة جنايات الزقازيق التي عقدت جلساتها برئاسة المستشار محمد عصام الدين وعضوية المستشارين حسن أبو الوفا ومحمد أنور أبو سحلي وسكرتارية جمال محمد.وجدت هيئة المحكمة نفسها إزاء قرار صعب يتعلق به مستقبل شابين بل مستقبل أسرتين. وبدأت في البحث عن مخرج قانوني لإنقاذ مستقبل الشابين وفي نفس الوقت ردعهما كي لا يفكرا مجرد التفكير في العودة إلى هذا الطريق. وعثرت على الضالة المنشودة. تضمنت إجراءات ضبط المتهمين أخطاء، كذلك لم يستجوب أفراد القوة المرافقة ضباط الواقعة في محضر التحقيقات، وهو خطأ إجرائي. ما يعني أن القضية غير موجودة من الأساس. يشير ذلك إلى إفلات تاجر المخدرات عبد الله من العقاب هذه المرة!ورأت هيئة المحكمة أن افلات مجرم من العقاب خير من ضياع مستقبل شابين في مقتبل العمر وتحطيم أسرتيهما لتقضي ببراءة الطالبين، خصوصاً أنهما ليسا مسجلين وهذه الواقعة هي الأولى لهما. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن دخول شابين مثل المتهمين السجن قد يؤدي بهما إلى الخروج منه مجرمين، فيما نيلهما البراءة سيذهب بهما إلى الدراسة والابتعاد نهائياً عن طريق الجريمة والإدمان.