ما إن تولى الشيخ عبدالله السالم الحكم "رسمياً" في ٢٥ فبراير ١٩٥٠، حتى بدأ التفاوض مع شركة نفط الكويت (كانت حينها أجنبية حتى تم تأميمها سنة ١٩٧٥)، لتعديل العوائد المجحفة. لم تستجب الشركة بداية لطلباته المتكررة، بل تمادت في تجاهلها حتى جاء الفرج من متغيرات إقليمية. فقد فاز في الانتخابات الإيرانية رئيس وزراء وطني هو محمد مصدق، وأحدث تعديلات اجتماعية كبيرة، واندفع بعد ذلك إلى تأميم الصناعة النفطية، فدخل في صدام مع شركة النفط الأنجلو إيرانية (أصبحت لاحقاً شركة بريتش بتروليوم التي كانت تملك نصف شركة نفط الكويت) فدبروا انقلاباً مع الاستخبارات الأميركية، سمي بعملية أجاكس، أطاح بمصدق، وظل تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته سنة ١٩٦٧. وقد حكى لي أستاذي الراحل بروفيسور ريتشارد كاتام تفاصيل غير منشورة عن تلك العملية، حيث كان حينها ملحقاً سياسياً بالسفارة الأميركية بطهران، ولم يكن موافقاً على العملية. بالمقابل بدأت المملكة العراقية مفاوضات صعبة مع شركة نفط العراق، لتعديل العوائد، واقتربت من تحقيق ذلك. وبالتالي تحول موقف شركة نفط الكويت، وبدأت هي التي تلاحق الشيخ لتعديل شروط العوائد النفطية. أدرك الشيخ حينها السبب فأبلغ الشركة بوضوح أنه سينتظر نتائج مفاوضات العراق، حيث إنه لا يملك الخبرة الكافية للتفاوض، ومن المؤكد أن العراق سيحصل على شروط أفضل، وهكذا كان فارتفع دخل النفط إلى ١٥ ضعفاً.

وما إن تحققت تلك الزيادة، وبدأت الدفعات تصل لحساب الشيخ/الكويت رقم ١ في لندن، حتى بدأ التفكير الإنجليزي في كيفية الإبقاء عليها داخل منطقة الإسترليني. فتفتقت أذهانهم عن فكرة إقناع الشيخ باستثمار أمواله في لندن. لم يكن للكويت حتى ذلك الوقت استثمارات تذكر، وكان للشيخ/الكويت حساب باسم الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، وعلى أثر وفاته، يناير ١٩٥٠، تم تحويل ذلك الحساب لاسم الشيخ عبدالله السالم، ولم يكن فيه مبلغ يستحق الدوران حوله أو النظر إليه.

Ad

إلا أن الأمر تعقد في بداياته، فمع زيادة الدخل قرر الشيخ عبدالله السالم البدء في خطة التنمية، مما استدعى تخصيص مبالغ مالية كبيرة (بمقاييس ذلك الوقت) وهي ١٨ مليون جنيه إسترليني. خشي البريطانيون من سحب بقية المبلغ الآخذ في التراكم بموجب الاتفاق الجديد، وكان أكثر من ٤٠ مليون إسترليني. وبالتالي تم إرسال وفد للكويت لبحث هذه المسألة مع الشيخ. وهنا كانت المفاجأة. رفض الشيخ عبدالله السالم الفكرة انطلاقاً من أنه لا يملك الخبرة الفنية في شؤون الاستثمار بما يضمن عدم خسارته لها، وأنه يفضل الإبقاء على الأموال الكويتية كودائع في البنوك ليست بها تعقيدات، كما يستطيع استدعاءها لاحتياجات البلد في مرحلة النهوض وهي كبيرة. فوجئ أصحاب المشروع الاستثماري من موقف الشيخ السلبي، وحاولوا إقناعه بكل الوسائل، إلا أنه قد اتضح أن رفض الشيخ لم يكن من حيث المبدأ، ولكنه أسلوب تفاوضي كرره الشيخ في عدة محطات للحصول على شروط أفضل، فما إن بدأ الحديث في التفاصيل حتى طرح الشيخ عليهم تساؤلات لم يكونوا قادرين على الإجابة عنها، وتطلبت منهم البحث والنقاش في أروقة الأجهزة البريطانية لشهور طويلة كما سنرى.