مع تراجع المناطق الخاضعة لسيطرة داعش في سورية، راح الجنرالات الأميركيون يتحدثون عن "الاستقرار" و"الترسيخ"، ولكن بعد مرور سبعة أشهر على طرد الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة المجاهدين من عاصمتهم المزعومة الرقة، لا يرى سكان المدينة فيها أي "استقرار"، فما زالت الألغام، والمتفجرات، والقنابل تقتل وتشوّه، وما زالت الجثث تُسحب من تحت الأنقاض، وما زالت الكهرباء غائبة، شأنها في ذلك شأن المياه الجارية. ذكر عمر علوش، عضو في مجلس المدينة، قبل أسابيع من تعرضه للقتل رمياً بالرصاص في شقته على يد مسلحين مجهولين: "لم يقدّم لنا الأميركيون شيئاً".أما الترحيب الذي استُقبل به الائتلاف بادئ الأمر، فقد بدأ يخبو مع تنامي الغضب الشعبي، وخصوصاً في مناطق انتشار العرب جنوب الرقة على طول نهر الفرات، وتزداد أعداد مَن يعتبرون القوات الديمقراطية السورية، وهي ميليشيا يقودها الأكراد وتعتمد عليها الولايات المتحدة في محاربة "داعش"، كمحتلين. كذلك يتحدث زعماء القبائل في محافظة دير الزور الشرقية علانية عن حمل السلاح لطرد الأكراد من الأراضي العربية، ويخشى البعض أن يحاول المجاهدون استغلال هذا الوضع، فقد بدأوا يتسللون عائدين إلى المناطق التي خسروها.
يعود التوتر الإثني في شرق سورية إلى عقود، ويُعتبر من مخلفات مناورات "فرّق تسد" التي اتبعها الأسد ووالده من قبله في مناطق البلد النائية، وساهم قرار الولايات المتحدة الاعتماد على الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لقيادة القوات الديمقراطية السورية في تعميق هذه الانقسامات، فقد اضطرت قوات الثوار العربية، التي تلقت أيضاً الدعم من الولايات المتحدة، إلى المراقبة عن الهامش، فيما سارت القوات الديمقراطية السورية إلى البلدات العربية. يخبر أبو عمر، قائد ثوري عربي: "التقينا الأميركيين سراً في تركيا، إلا أنهم أخبرونا أننا نفتقر إلى التنظيم وأننا لم نستطع جمع العدد الكافي من الرجال، كذلك خشوا أن نحارب نظام الأسد بعد داعش".في المقابل لم يحاول الأكراد استمالة العرب في المناطق المحررة من "داعش"، فقد خصوا الأكراد بالعقود ونفروا العرب المحافظين بعقيدتهم المتحررة نسبياً، كذلك نظر السكان المحليون بعين الريبة حتى إلى المقاتلين العرب في القوات الديمقراطية السورية واعتبروهم لصوصاً أو دمى كردية. فضلاً عن ذلك خشي كثيرون أن يسلّم الأكراد المنطقة إلى النظام ضمن إطار صفقة تسمح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بالاحتفاظ بسيطرته على أجزاء أخرى من البلد، حيث يذكر ناشط في مجال حقوق الإنسان من دير الزور: "ينمو كره هذه الدكتاتورية الكردية الجديدة يوماً بعد يوم".يجيد تنظيم "داعش"، الذي يدّعي الدفاع عن المسلمين السنّة في وجه غير المؤمنين، استغلال ضغائن مماثلة، صحيح أن المجاهدين طُردوا أخيراً من ضواحي دمشق، مما منح النظام سيطرة كاملة على العاصمة لأول مرة منذ عام 2012، لكن مئات المجاهدين ما زالوا يختبئون في الشرق، حيث يتسللون إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الديمقراطية السورية بهدف تنفيذ الهجمات وعمليات الاغتيال والخطف. بالإضافة إلى ذلك علّقت الولايات المتحدة الهجوم البري ضد "داعش" في شهرَي مارس وأبريل، مع انتقال مئات المقاتلين الأكراد إلى الجبهة لمواجهة تركيا في عفرين، فاستغل المجاهدون هذا الوضع وسيطروا على بلدات وحقول نفط، ولا يزال "داعش" يجني ما لا يقل عن 180 ألف دولار يومياً من بيعه النفط، حسبما تشير مصادر في هذا القطاع.استؤنف الهجوم في الأول من مايو، ويبدو الجنرالات والدبلوماسيون الأميركيون واثقين من قدرتهم على استعادة الأراضي التي لا تزال خاضعة لسيطرة "داعش"، لكنهم قلقون بشأن انهيار السلام، فقد جمّد ترامب 200 مليون دولار من المساعدات لنشاطات مثل نزع الألغام، ورفع الأنقاض، وإصلاح أنظمة الماء والكهرباء في سورية، كذلك يريد سحب الجنود الأميركيين "قريباً جداً"، ومن المستبعد أن يكون شرق سورية قد استعاد استقراره بحلول ذلك الوقت.
مقالات
الاستراتيجية الأميركية ضد «داعش» تثير المشاكل
30-05-2018