«كفنان لم أكن أتصوّر أن أحمل السلاح، ولكن القدر أراد ذلك وما أجمل تلك الإرادة»، قال التشكيلي أحمد نوار. وتابع: «تعود القصة إلى حرب الاستنزاف. آنذاك رسمت لوحة حول استعداد وترقب المقاتل المصري للأخذ بالثأر بعد هزيمة 1967، وتلاحمه مع السلاح والأرض، نالت المركز الأول في بينالي أسبانيا الدولي، وحصلت على منحة دراسية مدة أربع سنوات بجامعة مدريد. كان لا بد من موافقة القوات المسلحة قبل السفر، ولكنها عندما حاولت التأجيل جندتني فوراً لأن التأجيلات كافة ألغيت نظراً إلى ظروف الحرب. وفي الجيش نسيت المنحة وتعايشت مع الوضع الجديد، وتحولت ذهنياً ونفسياً إلى محاربة العدو، وكانت مهمتي القنص».

Ad

قنص

رداً على سؤال «الجريدة» حول مدى استفادته من موهبته الفنية في عمله قناصاً، قال: «خدمني الفن كثيراً، فالشرط الأول لنجاح القناص هو الاتزان إلى حد يشبه البرود والانفصال عن الواقع وأصوات الرصاص والمدافع، بالإضافة إلى الشجاعة التلقائية، والقدرة على التمويه والترقب كي ينجح في الإيقاع بالفريسة وهي مغيبة الوعي. ولا يتم ذلك إلا بخيال واسع يحل شفرة تحركات وتمويهات العدو، وهي مقومات كانت متوافرة لدي. وكان العدو يستخدم ما يُسمى في الفن بالخداع البصري، وكان سهلاً علي كفنان اكتشافه».

استهداف العدو

عن الشعور الذي كان ينتابه عند استهدافه العدو ذكر أحمد نوار: «كتبت هذة التجربة بتفاصيلها في كتابي «نوار عين الصقر»، ويكفي الإشارة إلى أنني كدت أموت في أول عملية قنص لي، فقد أطلق فوق رأسي مباشرة أكثر من 70 طلقة وكنت أصوب تجاه أول هدف لي، فتمالكت أعصابي وصممت على قتل من أطلق علي النار. كانت لحظة صعبة، إذ أوقفت كل حركة في جسدي، حتى أنني كنت أسمع نبضات قلبي واستعدت دروس التكتيك والتمويه، وعدت إلى موقعي وقرأت بعض آيات القرآن الكريم وأطلقت رصاصاتي فأصابت الهدف».

أضاف: «وبعد عملية القنص الأولى لجأ الإسرائيليون إلى حيلة، فرفعوا ساتراً من الخيش على سطح الخندق ليتخفى خلفه الجندي، ويراقب المواقع المصرية على الضفة الغربية. ولكن الخيش ساعدني على إصابة الأهداف لأنني استفدت من خيال الظل في المسرح الإغريقي القديم، فكلما كبر حجم الظل على الخيش يعني ذلك أن الفريسة أبعد، وكلما قلّ حجم الظل تأكد لي أنها خلف الخيش مباشرة. من خلال هذه النظرية، نجحت في قنص الفريسة الثانية، وحصلت على مكافأة قدرها خمسة جنيهات من قائد الفرقة، ورغم ضآلتها فإنها كانت تساوي عندي كنوز الدنيا. بعد ذلك، توالت عمليات القنص حتى زادت عن 15 عملية».

صواريخ

عن الأعمال التي أبدعها بريشته على وهج الحرب، قال نوار: «أعتز بمجموعة «الحرب والسلام» التي أنتجتها عام 1970، كذلك رسمت الصواريخ في أعمال مركبة وتجهيز في الفراغ. وفي عام 1971 رسمت لوحة «الحرب» بالأبيض والأسود واستخدمت فيها الحبر الصيني. كذلك رسمت «ثلاثية السلام والمعادلة الصعبة» التي انقسمت إلى ثلاثة أجزاء بالحبر الصيني والألوان الفلوماستر».

ورغم مرور السنوات، وانشعال نوار بالقضايا الإنسانية التي نالت حيزاً كبيراً من أعماله الفنية، فإن تجربة الحرب لا تزال حاضرة، والبحث في ماهيتها وتأثيرها في البشرية، وإهدار طاقة الإنسان والعلم في إنتاج أسلحة فتاكة كذلك يشغل باله، فقد أنجز معرضاً عن العبور، ومعرضاً عن «الشهيد» منذ أربع سنوات ويعده «امتداداً لروح المقاتل في داخلي».

وضم مجموعة من أعماله الفنية للتعبير عن منزلة «الشهيد» الذي يفني ذاته فداء لوطنه، اعتماداً على الجوانب العقائدية والقيم الوطنية». كذلك قدم معرضاً كبيراً، أبرز فيه رسومات لجبل أبو غنيم، والمقابر في فلسطين في معرضه الأخير جبال الحجاز والصين.

في سطور

تقلد الفنان نوار مناصب مهمة عدة في مسيرته الفنية من بينها: رئيس قسم المتاحف في المجلس الأعلى للتحف في مصر (1994 – 1999)، والمشرف العام لصندوق نوبا (1996 – 1998)، وعميد ومؤسس كلية الفنون الجميلة في جامعة مينا في مصر (1982 – 1988)، ومستشار في المركز الوطني للأبحاث في مصر (1980 – 1983)، ومستشار في مجلس الشعب (البرلمان المصري) 1999.

وأعد «نوار» أول معرض فردي له في محترف القاهرة (1965)، وتتالت مشاركات الفنان نوار في المحافل الفنية على صعيد مصر والعالم حيث أقام أكثر من 80 معرضاً شخصياً، وشارك في أكثر من مئة معرض جماعي ومهرجانات وبينالي في مصر والنرويج والسويد وإسبانيا وفرنسا والكويت والعراق وإيطاليا والولايات المتحدة وكوبا والإمارات والنمسا والأردن والمغرب والبرازيل وغيرها من دول من 1969 حتى الآن.