أفعال كوريا الشمالية أم أقوال الولايات المتحدة؟
إذا تمكن ترامب من التوصل إلى اتفاق مع كيم على أساس "العمل مقابل الكلام"، فإنه سيبرهن فعلاً على "فن الصفقة"، لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل الكوريون الشماليون جادون في ذلك؟
قبل بضعة أيام، بدا أن القمة المزمعة في سنغافورة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون معلقة بخيوط واهية، ولا تزال المحادثات جارية لكن الكوريين الشماليين عبروا عن أفكار أخرى، وذلك بسبب تصريحات إدارة ترامب التي تشير إلى أنه من المتوقع أن تصبح كوريا الشمالية خالية من الأسلحة النووية مقابل وعد الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات.وعلاوة على ذلك يشعر الكوريون الشماليون بالقلق أيضاً إزاء التعليقات التي أدلى بها جون بولتون، مستشار الأمن القومي لدى ترامب، وهو عدو قديم- لم يعجز أبدا عن إهانة الآخرين- أطلق عليه الشمال في السابق اسم "حثالة بشرية"، وفي الأسابيع الأخيرة أشار بولتون اٍلى أن المحادثات مع كوريا الشمالية يمكن أن تتبع ما يسميه "نموذج ليبيا"، وهو اختزال سهل لبلد يتخلى ببساطة عن برنامجه النووي بمقابل بسيط.وعلى عكس رواية بولتون الكرتونية، كان الزعيم الليبي السابق معمر القذافي يتفاوض بهدوء مع الأوروبيين والولايات المتحدة لسنوات قبل التخلي عن أسلحته النووية في عام 2003، وقد تلقى التزامات أمنية ومساعدات في المقابل. لكن المشكلة الكبرى في رسالة بولتون، بالنسبة إلى بقية العالم تكمن في إشارة "نموذج ليبيا" إلى الحملة الجوية لحلف شمال الأطلسي عام 2011، والتي سمحت للمتمردين بالإطاحة بنظام القذافي، وانتهى تدخل حلف الناتو بمقتل القذافي والتمثيل بجثته في شوارع مدينة سرت الليبية في حين كان العالم- ولاسيما الكوريون الشماليون- يشاهدون.
أيا كان مقصد بولتون من رسالته فقد نحى ترامب تصريحاته جانباً، وأكد أنه لن يتم الأخذ "بالنموذج الليبي مع كوريا الشمالية"، ومع ذلك يبقى أن نرى ما الذي يفكر به ترامب بالفعل بشأن القمة، فقد انتقد أسلافه بشدة عندما عرضوا تخفيف عقوبات كوريا الشمالية في الماضي، واستبعد بحكمة خفض القوات الأميركية في كوريا الجنوبية كبادرة مؤقتة. لكن السؤال المطروح الآن: كيف يعتزم ترامب إقناع نظام كيم بالتخلي عن هويته الأساسية كدولة نووية؟في الواقع كان أحد التكتيكات التفاوضية لإدارة ترامب يكمن في عروض الصداقة والكلمات الدافئة، والتي لم يسبق للمسؤولين الأميركيين توجيهها إلى زعماء كوريا الشمالية.عندما كنتُ ممثلاً لإدارة جورج دبليو بوش في المحادثات السداسية في عام 2005، كتبتُ تعليمات بعدم المشاركة في أي عشاء أو ارتباطات اجتماعية أخرى مع الكوريين الشماليين، أو حتى رفع كوب في أي نخب يتضمن ممثلين لكوريا الشمالية. كان من المقرر إجراء تفاعلات مع المسؤولين الكوريين الشماليين بحضور المرافقين الصينيين، وقد تم التخلي عن سياسة التفاهة القسرية هذه خلال الجولات اللاحقة من تلك المحادثات، ومن الجيد أن نرى أن وزير الدولة مايك بومبيو لم يحيها في لقاءاته مع الكوريين الشماليين حتى الآن.وفي القمة المقبلة من المرجح أن ترفض إدارة ترامب احتمال التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الكورية 1950-1953 والاعتراف بالدولة الكورية الشمالية. هذا المخطط ليس جديدا، فقد جاء في البيان المشترك الصادر في سبتمبر 2005 عن المحادثات السداسية أن "الأطراف ذات الصلة المباشرة- ليس روسيا أو اليابان- ستتفاوض بشأن نظام سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية"، وأن كوريا الشمالية والولايات المتحدة ستعملان معا "على احترام سيادة بعضهما، والعيش سوية بسلام، واتخاذ خطوات لتطبيع علاقاتهما". في ذلك الوقت اقترحت الصين- التي تشير إلى تجربتها الخاصة مع الولايات المتحدة- أن تقوم كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بفتح مكتب دبلوماسي في عاصمة الأخرى، وفي حين استغرق الأمر بعض الوقت، حصلتُ على إذن من إدارة بوش بتقديم هذا العرض للكوريين الشماليين، وقد أجابوا بسرعة شديدة بـ"لا، شكراً لكم"، وبالمثل لم يكن هناك أي اهتمام لعقد اتفاقية سلام، وكما لاحظ أحد أعضاء وفدنا المشترك بين الوكالات، "يبدو أنهم مهتمون بالأشياء حتى يتبين عكس ذلك".بالطبع، نحن نعرف ما الذي يهتم به الكوريون الشماليون حقا، ونتيجة للعقوبات كان النظام بحاجة ماسة إلى وقود ثقيل لأغراض التدفئة، وقد وافقت الولايات المتحدة وأطراف أخرى في المحادثات على تسليم شحنات الوقود مقابل خطوات تدريجية نحو نزع الأسلحة النووية، بما في ذلك تعطيل المفاعل النووي في يونغبيون. باللغة الدبلوماسية في ذلك الوقت تمت الإشارة إلى ذلك على أنه "عمل مقابل عمل".وأخيرا، انهارت العملية السداسية برمتها بشأن مسألة التحقق، عندما رفض الشمال منح المفتشين إمكانية الوصول إلى مواقع لم تكن مدرجة في إعلانها السابق للمنشآت النووية، ومع اقتراب القمة سيحتاج ترامب ومستشاروه إلى تحديد ما إذا كان الكوريون الشماليون ينظرون إلى مسألة التحقق بطريقة مختلفة عما كانوا يفعلون قبل عشر سنوات.وإذا تمكن ترامب من التوصل إلى اتفاق على أساس "العمل مقابل الكلام"، فإنه سيبرهن فعلاً على "فن الصفقة"، لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل الكوريون الشماليون جادون في ذلك؟* كريستوفر آر. هيل* مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشرق آسيا، وعميد كلية كوربل للدراسات الدولية، جامعة دينفر، ومؤلف كتاب "المحطة".«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»
أحد التكتيكات التفاوضية لإدارة ترامب يكمن في عروض الصداقة والكلمات الدافئة