قبل أن تتلاشى
الكويت اليوم بحاجة إلى تغيير هذا النهج الذي إن استمر فسيكون أثر ضرره كبيراً على المجتمع، وسيترتب عليه فقدان الثقة بمؤسسات الدولة، وسينمي مفهوم الولاء بعيداً عن الأطر التي رسمها الدستور وحرص المشرع على تطبيقها.
سأبدأ بالمادة 29 من الدستور الكويتي، التي نصت صراحةً على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين"، والسؤال حول مدى تمسك الدولة في تطبيق معانيها السامية؟هذا النص الدستوري من المسؤول عن تطبيقه؟ ومن يدفع نحو الخروج عن مظلته ولمصلحة من؟ وهل يعي مجلس الأمة بجناحيه الحكومي والبرلماني خطورة هذا النهج الذي أرجو ألا ينكره أحد منهما لأن مجرد إنكاره أو التهوين منه سيقود المجتمع إلى المزيد من التفكك، فالموضوع أكبر من فزعة أو محاصصة لترضية هذا الطرف أو ذاك؟تعالوا إلى الانتخابات الفرعية المجرمة التي يتم تنظيمها بالعلن وعلى عينك يا تاجر، وإلى تقسيمة الدوائر وما نتج عنها من حالة الاصطفاف القبلي والمذهبي والحزبي، رغم أنه من المفترض بدولة الدستور تكريس مفهوم العدالة والمشاركة الوطنية وصولاً إلى الغاية التي نصت عليها المادة 29.
تعالوا إلى سياسة أغلب الوزراء وممارساتهم، والتي أدت إلى الإخلال بمفهوم العدالة وتكافؤ الفرص من خلال تبنيهم أسلوب المحاصصة والترضيات، وبأسوأ الصور من أجل حماية كراسيهم دون وضعهم لأي اعتبار للهدف الأساسي من وجودهم، وكأن القَسَم الذي أدوه أمام سمو الأمير وفي مجلس الأمة بالذود عن مصالح الشعب يمكن تداركه بكفارة إطعام مساكين.مشكلتنا ليست مع العقلية الحكومية والبرلمانية فقط، بل مع بعض الشعب ممن يرى أنه الفئة المختارة، أو في أولئك الذين يعتقدون أن قوتهم لا تأتي إلا من نفوذهم الطائفي والقبلي والطبقي، ولا أعلم إن كان لهذا التفاخر أي أصل أخلاقي في قاموس البشرية. أتمنى ألا يخرج لنا أحد ويتكلم عن الوطنية وهو لا يعرف منها إلا البعد التاريخي؛ قافزاً على الحقيقة الإنسانية التي جاء القرآن الكريم ليعززها بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". (الحجرات الآية 13).هذه الحقيقة القرآنية كيف سيتعامل معها كل من له نَفَس طائفي أو تعصب قبلي أو طبقي، إذا ما رجع إلى هجرة الرسول الكريم وأصحابه للمدينة المنورة، وكيف آخى الرسول الكريم بينهم دون أن يعترض أصحاب الأرض على هذا الواقع الجديد ليغرس بينهم مفهوماً جديداً للمواطنة؟اليوم الكويت بحاجة إلى تغيير هذا النهج الذي إن استمر فسيكون أثر ضرره كبيراً على المجتمع، وسيترتب عليه فقدان الثقة بمؤسسات الدولة، وسينمي مفهوم الولاء بعيداً عن الأطر التي رسمها الدستور وحرص المشرع على تطبيقها.أكتب هذه السطور، وبالرغم من كم المشاهدات والتصرفات غير المقبولة، لكن الأمل مازال يحدوني في أن يتصدر رجال ونساء مخلصون يحبون الكويت لكل ما من شأنه المساس بالنسيج الوطني، ومبدأ العدالة وتكافؤ الفرص على أساس الجنس أو الأصل أو الدين أو اللغة.ودمتم سالمين.