أحبط الرئيس الإيطالي سيرغيو ماتاريلا محاولة حزبين شعبويين لتشكيل حكومة، لأنهما أصرا على تعيين وزير للاقتصاد معارض لليورو. ومع توجه ايطاليا الى انتخابات جديدة في فصل الخريف المقبل قد تجدر الإشارة الى أن وجود اليورو أمر جيد في الواقع بالنسبة الى الدول الأعضاء في منطقته النقدية.

ووصف باولو سافونا الاقتصادي، وهو في الثمانينيات من عمره، والذي رفض ماتاريلا مشاركته في الحكومة، بسبب اعتقاده بضرورة وضع خطط عاجلة للخروج من العملة المشتركة، واصفا اليورو بأنه "قفص ألماني".

Ad

ويتم تشاطر هذا الموقف على نطاق واسع، وتكمن الفكرة في أن العملة المشتركة قد حرمت دول أوروبا الأضعف من الوجهة الاقتصادية من خفض قيمة عملتها كأداة من أدوات السياسة الاقتصادية، وأرغمها بدلاً من ذلك على استخدام ما هي أساسا عملة ألمانية.

وبحسب هذا المنطق فإن اليورو قد مكن ألمانيا من اصدار قروض رخيصة الى الاقتصادات الأضعف، لكي تتمكن من شراء مزيد من البضائع الألمانية، واستفادت ألمانيا فيما تزايدت ديون جاراتها في منطقة اليورو وعانت فقدان السيادة النقدية.

والسؤال هو لماذا تريد أي دولة تبني اليورو – أو، اذا كانت عضواً في منطقة اليورو، لماذا تستمر في استخدامه؟ وتعتبر التكلفة العالية في التخلي عنه وجهة نظر قوية ولكنها ليست مقنعة بشكل خاص: فإذا كانت المجادلة ضد العملة المشتركة صحيحة فقد يكون من الحكمة تحمل التكلفة في الأجل القصير بغية جني المزايا في الأجل الطويل، والتي تكمن في اتباع سياسة نقدية مستقلة.

وعلى أية حال، فإن اليورو ليس الغلطة الكبيرة كما يحاول خصومه اظهاره. وفي ورقة صدرت عن صندوق النقد الدولي في سنة 2017 اعتبر جوهانيس ويغاند أن اليورو يتمتع بما وصفه "الميزة" الاقتصادية التي تأتي من الخطر الأدنى المحتمل للاستثمار في أصول اليورو. وطبيعة هذه الظاهرة هي ذاتها التي نسبها الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان الى الولايات المتحدة بوصفها "ميزة مفرطة"، والتي تنجم عن ملكية العملة الاحتياطية الأكثر استخداماً في العالم. وتظهر ورقة ويغاند الميزة التي كانت موجودة قبل أزمة الديون التي لحقت بمنطقة اليورو في مطلع هذا العقد من الزمن والتي زالت خلال الأزمة ثم عادت الى الظهور من جديد منذ عام 2015، وهي تعني المزيد من الاستثمار وخدمة ديون أرخص مما كانت الدول ستتمتع بهما من دون اليورو.

وفيما تشير بعض البحوث الأخيرة الى أن عضوية منطقة اليورو تحقق فوائد طفيفة في التجارة مع معظم الدول الأعضاء، هناك دلائل كثيرة تظهر عكس ذلك.

وعلى سبيل المثال فإن تدفقات ايطاليا الثنائية التجارية مع الدول الأعضاء في منطقة اليورو حصلت على دفعة قوية، وزادت بنسبة 38 في المئة مقارنة بتفسيرات الاقتصاديين الايطاليين باولو ماناس وتوماسو نانيشيني وأليساندرو سيا في سنة 2014.

بعد تبني اليورو

وقارن الخبراء الثلاثة أداء ايطاليا بعد تبني اليورو مع "السيطرة الاصطناعية"، أي اجمالي أداء الدول من خارج منطقة اليورو، بما في ذلك أعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة والدنمارك وبولندا وأعضاء من خارج أوروبا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مثل أستراليا وكندا واليابان وسويسرا.

وأظهرت هذه الطريقة أن ايطاليا، على الرغم من التصورات الشعبية المعاكسة، تمتعت بمعدلات تضخم أدنى مما كانت ستحصل عليه من دون اليورو. وفي الوقت ذاته، ظهر أن تطبيق العملة المشتركة ألحق الضرر بنمو حصة الفرد من الناتج– ولكن بدرجة أقل مما لحق بألمانيا التي يفترض أنها المستفيد الأكبر من اليورو.

التأثير المهم الآخر لليورو تمثل في الزيادة الكبيرة في نشاط السياحة داخل منطقة اليورو بنسبة 44 في المئة على الأقل. ويسهم السفر والسياحة بحوالي 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا – وهذه مكافأة كبيرة.

وجادل الكثير من الاقتصاديين طبعاً بأن العملة الواحدة ليست نتاجاً جاهزاً: اذ لا يوجد اتحاد مالي لصد الصدمات التي تلحق بالمناطق التي تتضرر بشدة من الأزمات الاقتصادية. كما ان معدلات البطالة المقلقة أسهمت في ذلك الاستياء من اليورو. ولكن حتى الولايات المتحدة –وهي ذات عملة موحدة– لم تكن محصنة من هذا المرض، وبلغ معدل البطالة في بورتوريكو المفلسة 9.9 في المئة مقارنة مع 3.8 في المئة في الولايات المتحدة بشكل اجمالي.

وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهت الى اليورو منذ أزمة الديون وحديث كبار الاقتصاديين من أمثال بول كروغمان وجوزيف ستيغليتز عن الخلل في تصميم العملة المشتركة لاحظ معظم الأوروبيين الفوائد.

وبحسب دراسة صدرت عن يوروباروميتر في شهر ديسمبر من عام 2017 (وهي الأحدث التي نشرها الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع) ثمة دولة واحدة فقط يعتقد الناس فيها أن العملة المشتركة ألحقت درجة من الضرر تفوق الجانب الجيد منها وهي ليتوانيا، التي انضمت الى اليورو في سنة 2015.

وحتى في اليونان –حيث يزعم نقاد اليورو أن الأزمة الاقتصادية الحادة حدثت بسبب العملة– لا تريد أكثرية المواطنين التخلي عنها.

ما أخفق اليورو في تحقيقه، حتى الآن على الأقل، هو هدفه السياسي الرئيسي المتمثل في تعضيد التشاركية في الهوية الاجتماعية الأوروبية. وهذا سبب مهم وراء حصول الأحزاب الشعبوية على أرضية في عدد من الدول ضد اليورو كمدمر للسيادة. وبالنسبة الى الناخبين الوطنيين تعتبر كلمة "ألماني" في صيغة سافونا أكثر أهمية من كلمة "قفص".

وفي ايطاليا يتسم التوازن بين أنصار اليورو وخصومه في الرأي العام بدرجة حذرة جدا. ويمكن لحملة سياسية قوية أن توجه الناخبين نحو أحد مسارين إذا تجرأت الأحزاب الشعبوية على أن تجعل هذه القضية مركزية في الانتخابات.

وجازف ماتاريلا عندما شجع كلا من العصبة وحركة الخمس نجوم على طرح المسألة على الناخبين. وقد تفوز رواية "القفص الألماني" على الحقيقة الأكثر تعقيداً في أذهان الناخبين. ولكن لدى معسكر أنصار اليورو مجادلات قوية، وعليه فقط أن يجعلها أكثر اقناعاً قبيل الانتخابات، سواء قرر الشعبويون جعل اليورو قضية مركزية في الحملات أم لا.

• ليونيد بيرشيديكي