سعاد عبدالله في «عبرة شارع»... تقنيات عالية الأداء

ألقها الفني يعود إلى دراستها العميقة للنص وأبعاد شخصية «انتصار»

نشر في 02-06-2018
آخر تحديث 02-06-2018 | 00:04
حافظت الفنانة سعاد عبدالله على ألقها الفني أكثر من خمسة عقود، وجددته في «عبرة شارع».
تتحفنا الفنانة القديرة سعاد عبدالله، في كل عام بعمل أو اثنين، في الدراما التلفزيونية، وبقدراتها الإبداعية التي حافظت عليها، بخطوات ثابتة، منذ إطلالتها الأولى على شاشة تلفزيون الكويت، عبر "ديوانية التلفزيون" مع رائد الحركة الفنية والمسرحية محمد النشمي، منذ 55 عاماً.

سعاد عبدالله، ليست فنانة عابرة، أو عادية، بل اجتهدت وتطورت، وصقلت موهبتها بالدراسة الأكاديمية في المعهد العالي للفنون المسرحية في سبعينيات القرن الماضي، وكان معها الفنان المبدع الراحل علي المفيدي، أثناء عمادة سعيد خطّاب، أول عميد للمعهد في الكويت.

هذا العام، الألق الفني هو عنوان تميزها، إذ تبحر بعيداً عن تقليدية الدور، والأداء، لتصل إلى مساحات واسعة من الإبداع الحقيقي، وبنهر من عطاء لا ينضب، لا يأفل نجمه البتة، من خلال شخصية "انتصار" في مسلسل "عبرة شارع" للكاتب د. حمد الرومي وإخراج منير الزعبي.

ومن يتابع سعاد منذ الحلقة الأولى وصولاً إلى الحلقة الخامسة عشرة، يجد الشموخ في أدائها، وأن احترافيتها تنبع من القراءة المتعمقة للنص وللدور والشخصيات من حولها، ومعرفة الشخصية وأبعادها النفسية والمادية والاجتماعية، وكذلك ما بين السطور، وهذا ما لا يملكه الكثيرون من فنانينا، فالقراءة الصحيحة والفهم العميق، هو السبيل إلى الأداء المقنع.

"انتصار"، شخصية قيادية، قاسية، لكن ما سبب تعاملها القاسي؟ تحب ابن عمها الفنان التشكيلي "طلال" (جمال الردهان)، وارتبطت به، لكنها تكتشف فيما بعد ضعف شخصيته أمام الآخرين وفي دوامه، طيب وخجول في دوامه، ومن هنا تتحوّل هذه المرأة إلى شخصية متسلطة وقاسية، لأنها لم تر الشخصية القوية في زوجها، فتقسو على ابنها "سيف" (عبدالله الطراروة) أيضاً المتفوق في دراسته، لكنه يهرب من هذه القسوة إلى أصدقاء السوء ليدمن شرب الكحول، وينقطع عن دراسته، وتقسو على ابنتها (ليلى عبدالله) التي تريد أن تخوض غمار مهنة التمثيل، لكنها تجبرها على متابعة دراستها الجامعية، والابتعاد عن موهبتها في التمثيل.

وكذلك "انتصار" تتعامل وفق شخصيتها المتسلطة، مع شقيقاتها وشقيقها، ولا تظهر لهم أي انكسار، حتى في أشد المواقف وقساوتها، لا تدمع ولا تبكي، إلا في عزلتها عنهم، إنها إنسانة وأم، لكنها لا تريد أن تنكسر أمام الجميع، لتعوض بقساوتها خنوع زوجها وطيبته الزائدة.

وعلى الرغم من ذلك، لم تنفصل عن زوجها، لكنها تعيش داخل المنزل وهو في ملحق البيت، وكذلك ابنها، وبين فينة وأخرى تراقب زوجها خلسة من النافذة، ولعل أغنية "يا بويوسف" الجميلة التي حملت ذكرياتها معه، تؤكد أنها تحبه، لكن المعضلة تكمن في شخصيته الخجولة والانطوائية التي تقف حاجزاً أمام علاقتهما، وعندما يظهران معاً أمام المجتمع تطلب منه أن يكون "ثقيلاً"، وهذا جلي الوضوح في مشهد إقامة معرضه الفني.

وتألق سعاد عبدالله أمام الكاميرا، يعود إلى حرفيتها العالية في التعامل مع كاميرا التلفزيون، التي تتطلب التركيز على تعابير الوجه والتلوين في الصوت بشكل أكبر من الحركة الجسدية، وهذا أحد أسرار تميزها، وإجادتها في تقمص الشخصية، بينما الأداء في المسرح تتساوى فيه حركة الجسد مع تعابير الوجه.

إننا أمام هرم كبير، من أعمدة الفن الكويتي وأحد رموزه، يمتاز بتقنيات احترافية عالية، ولا ننسى، أن سعاد، هي أول ممثلة كويتية تخوض غمار فن المونودراما من خلال مسرحية "في خندق الاحتلال" من إخراج عبدالعزيز الحداد، ولها في سجل أعمالها الفنية الكثير من البصمات، منها تمثيلية "الاحتقار" مع العملاقين سعد الفرج والراحل غانم الصالح، ومسلسل "دنيا المهابيل"، و"بيت بوخالد"، و"الخروج من الهاوية"، و"للحياة بقية"، و"عيال الذيب"، و"حكم البشر"، و"ثريا"، و"نوايا"، و"شاهين"، و"كان في كل زمان"، وسباعية "نساء في شعاع النبوة"، ومن الأعمال الكوميدية: خالتي قماشة، رقية وسبيكة، درس خصوصي.

يبقى القول، إن الفنانة سعاد عبدالله، لا تزال تبهرنا وتمتعنا بأدائها الاحترافي والإبداعي، شكراً "أم طلال" على احترامك لعقلية المشاهدين، واحترامك لتاريخك الفني الكبير، وبانتظار عرض "هم نوايا".

التركيز على تعابير الوجه والتلوين في الصوت من أسرار تميزها
back to top