منذ إقرار «خطة العمل الخاصة بليبيا» برعاية الأمم المتحدة في سبتمبر ٢٠١٧، ظل اهتمام المجتمع الدولي منصباً على إجراء الانتخابات في عام ٢٠١٨ كشرط لتحقيق الاستقرار في البلاد، ولكن بعد الهجوم الانتحاري الذي نفّذه تنظيم «الدولة الإسلامية» في ٢ مايو والذي استهدف «المفوضية الوطنية العليا للانتخابات» في ليبيا، ستشكل حماية عملية الاقتراع في أرض مزقتها الحرب تحدياً كبيراً. ومن جهة أخرى لا بد من إصدار قانون انتخابي، غير أنّ ذلك سيعتمد على اتفاق بين خصمَين: «مجلس النواب» الذي يقع مقره في الشرق و»المجلس الأعلى للدولة» في طرابلس، ولن يكون لدى الطرفين وقت كافٍ في عام ٢٠١٨ لإجراء استفتاء دستوري وجولة من الانتخابات إلا إذا تمّ التوصل إلى مثل هذا الاتفاق خلال شهر رمضان، الذي ينتهي في ١٤ يونيو الجاري.
ولحسن الحظ توجد بعض البدائل الإيجابية للعملية الانتخابية من خلال عمل «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا» وشركائها، وتشمل عقد مؤتمر وطني، وتحسين التنمية الاقتصادية وتقديم الخدمات من خلال تنفيذ «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» ومبادرات المساعدة الأخرى، وإجراء انتخابات بلدية، والضغط من أجل الحوار بين الميليشيات، ومن جانبها تساهم الولايات المتحدة في بعض هذه الجهود، لكن عليها أن تشارك بفعالية أكبر.
سجل مختلط
على الرغم من أنه لم تُجرَ أي انتخابات في ليبيا منذ استقلالها عام ١٩٥١، باستثناء الانتخابات البرلمانية المقيّدة في ظل النظام الملكي، فإنّ البلاد أجرت ثلاث عمليات اقتراع وطنية منذ ثورة 2011 ولكن الممارسة الحرة لعملية الاقتراع لم تضمن توجّه البلاد نحو الاستقرار، بل على العكس نسب كثير من المراقبين الاستقطاب الوطني الحالي إلى توقيت الانتخابات وتسلسلها وتصميمها الإشكالي في مرحلة ما بعد عام ٢٠١١.ويستمر الجدل حول ما إذا كانت الأمم المتحدة وداعموها في الغرب على حق في دفع ليبيا نحو إجراء الانتخابات في يوليو ٢٠١٢، أي بعد أقل من عام على وفاة الرجل القوي معمر القذافي.تحديات انتخابات 2018
رغم أن «المفوضية الوطنية العليا» للانتخابات رفعت تسجيل الناخبين من ١.٥ إلى ٢.٥ ملايين ناخب بحلول مارس ٢٠١٨، وهو عدد يقرب من الرقم المسّجل في عام ٢٠١٢، فإن هناك عقبات كبيرة أمام إجراء الانتخابات هذا العام، من بينها المسائل المتعلقة بالتسلسل، وإقرار قانون انتخابي، والأمن.القانون الانتخابي والتصميم: أجريت كل من الانتخابات الثلاثة السابقة في ليبيا بموجب قانون مختلف مع مبادرات توعية مختلفة للناخبين، وحملات سياسية، وإعداد صناديق الاقتراع، واحتفظ قانون عام ٢٠١٢، وهو الأكثر نجاحاً في تحقيق أعلى نسبة إقبال للناخبين، بـ٨٠ مقعداً للأحزاب السياسية الوطنية و١٢٠ مقعداً للمستقلين في المحافظات التسعة والستين في البلاد. وشملت انتخابات «جمعية صياغة الدستور»، التي أجريت في فبراير ٢٠١٤، ٦٠ مقعداً فردياً للمرشحين مقسمة إلى ثلاث مناطق جغرافية، وضمّ التصويت لـ«مجلس النواب» بعد أربعة أشهر من ذلك التاريخ ٢٠٠ مرشح فردي موزعين على خمس وسبعين دائرة انتخابية، مثّلت كل واحدة منها بين مرشح واحد و١٦ مرشحاً. كما تم إجراء اقتراع إضافي لضمان تمثيل الإناث والأقليات إلى جانب التصويت من خارج البلاد. وبالنسبة الى الانتخابات المقبلة من المرجح أن يكون لدى «مجلس النواب» و»المجلس الأعلى للدولة» تفضيلات مختلفة لنظام يتيح دورا أكبر للأحزاب السياسية والمرشحين في المحافظات. على سبيل المثال، كان المرشحون المنتسبون إلى الإسلاميين أكثر نجاحاً في الترشح كمستقلين غير مرتبطين بحزب إسلامي.الأمن: تشكّل العملية الانتخابية في ليبيا مشكلة أمنية خطيرة، كما أظهر الهجوم الإرهابي في ٢ مايو الذي استهدف مقر «المفوضية الوطنية العليا للانتخابات»، ففي حين يمكن ضمان أمن «المفوضية العليا» بشكل أفضل وتأمين مرافق تخزين البيانات الخاصة بها، فإن حماية أكثر من ١٥٠٠ مركز اقتراع- الرقم المستخدم خلال انتخابات «مجلس النواب» عام ٢٠١٤- إلى جانب توزيع بطاقات الاقتراع وجمعها قد تؤدي إلى ضغوط لوجستية كبيرة. وسيُستمد الأمن حتماً من سلسلة من الترتيبات الظرفية المخصصة، مما يتيح فرصاً للميليشيات والإرهابيين المفسدين، وعلاوة على ذلك لدى ليبيا حالياً جبهتا قتال فعليتان حول درنة وسبها، وفي جين يمكن تأجيل الاقتراع في عدد قليل من الدوائر الانتخابية، فإن استبعاد أعداد متزايدة من الدوائر قد يشكك في الصلاحية الإجمالية للانتخابات.البدائل
بدلاً من التحضير لثلاث عمليات انتخابية وطنية محتملة هذا العام، على «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا»- بمساندة شركائها الغربيين والإقليميين الرئيسيين، من بينهم الولايات المتحدة- أن تنظر في التركيز على تنفيذ مجموعة من المشاريع الطموحة بالفعل، والمطروحة في صلب خطة عمل سلامة وهي: عقد اجتماع لمؤتمر وطني هذا الصيف لتطوير صورة أوضح عن الهوية الليبية والأولويات المشتركة؛ وتيسير الانتخابات البلدية، كما حدث في الزاوية في ١٣ مايو (تنتهي هذا العام صلاحية 75 من 104 مجالس بلدية في ليبيا)؛ وزيادة التمويل وعمل «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» ووكالات التنمية الأخرى لتنفيذ مشاريع البنية التحتية وتقديم الخدمات؛ ومواصلة الحوار مع الميليشيات، بهدف وضع خطة عمل متفق عليها لتوحيد الميليشيات فضلاً عن إطار للأمن الانتخابي. على الولايات المتحدة دعم جميع هذه الجهود، وقد قدّمت واشنطن في الأسابيع الأخيرة الدعم الفني لـ«المفوضية الوطنية العليا للانتخابات» في ليبيا، ووقعت اتفاقية لتوسيع قدرة «الشركة العامة للكهرباء» في البلاد، وأيّدت الانتخابات المحلية في مدينة الزاوية، ورغم ذلك ثمة حاجة فعلية لزيادة هذه الجهود، وينبغي مثلاً تطوير العمل مع المجالس البلدية كي تؤدي المجالس المنتخبة حديثاً دوراً أكبر في تصميم مشاريع التنمية وتنفيذها. وعلى الولايات المتحدة المساهمة كذلك في قيام حوار بين مختلف الأطراف عبر إرسال فريق يتألف من ضباط من ذوي الخبرة من ليبيا لتقديم المشورة للأمم المتحدة بشأن التوسط في التحالفات القبلية، ولعلّ الأهم هنا في حال عدم التوصل الى اتفاق على قانون انتخابي بعد رمضان، هو ضرورة حثّ الولايات المتحدة للبعثة وشركائها الأوروبيين على صرف الانتباه عن انتخابات 2018 وتحويله باتجاه بنود خطة العمل الأكثر إلحاحاً والمدرجة في جدول أعمال الأمم المتحدة. ● بين فيشمان- واشنطن انستيتوت