الاختلاف حالة طبيعية صحية!
الإقرار بوجود الاختلاف في سلوك وطبائع الإنسان والتعامل معه كحقيقة ثابتة خطوة متقدمة نحو التطور الحضاري، صحيح أن الناس كلهم سواسية من الناحية الفسيولوجية، ولا يوجد من بينهم من يمتلك عرقا نقيا وآخر غير نقي، كما جاء في أفكار الفيلسوفين شوبنهاور ونيتشه، وأنهم يتشابهون في جوانب ظاهرية من يد ورجل ووجه ورأس، ولا أحد يمتلك أكثر من غيره، وأيضا ينتمون إلى فصيلة بشرية واحدة، "كلكم لآدم وآدم من تراب"، ولكنهم يختلفون من ناحية الطبائع والسلوك الشخصي والتفكير والثقافة والأنشطة العقلية وقوة الخيال والأمور التي لها علاقة بالنفس البشرية من حب وكره وغضب وهدوء وخير وشر، وهذه الصفات كلها مكتسبة من الواقع والبيئة المحيطة، قلما تجد إنسانا يشبه الآخر من هذه الجوانب، وقد لا يتشابه الأخ مع أخيه ولا الأب مع ابنه داخل البيت الواحد، لكل واحد منهم شخصيته المستقلة وطريقته الخاصة في الحياة، بعض الناس طبيعته هادئة وشخصيته رزينة، يرضى بالقليل ولا يطمح للكثير، شعاره "القناعة كنز لا يفنى"، "يمشي جنب الحيط كافي خيره شره"، كما يقولون، والبعض الآخر طموح، وطموحه أهوج لا يتوقف عند حد، ولا تشبعه كنوز الدنيا، يفعل أي شيء من أجل الوصول إلى هدفه ولو بطرق ملتوية، ومخالفة للقانون، والشريعة، طبعه حاد غير متوازن، ومتقلب، وسريع الغضب، ويهيج لأتفه الأسباب، "لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب"، ودائما يكون الأول ضحية للثاني الأهوج، وهو إنسان صالح، يتحلى بالصبر والهدوء يحترم نفسه والآخرين، ويرعى حقوقهم وآراءهم، ولا يفرض عليهم إرادته وفكره الخاص بالقوة والعنجهية، يمكن ملاحظة طبيعة هذين النموذجين "المختلفين" إلى حد التناقض في شخصيتي "قابيل وهابيل" في القرآن. إذاً الاختلاف في الإنسان شيء ثابت وطبيعي، وضع فيه من أجل ديمومته واستمراره في الحياة، وعندما لا يقر الإنسان أو نظام حكم أو مجتمع بهذه الحقيقة ويحاول أن يفرض رأيه وتصوره الخاص للحياة على الآخرين بالقوة، فحينئذ تنشأ الدكتاتورية والقمع والسلطة الغاشمة ويتحول الاختلاف إلى الخلاف والنزاع الطبقي والعرقي والمجتمعي، وتندلع الحروب والصراعات الدامية، وتظهر لدينا نماذج من شخصيات قمعية ساهمت في تدمير الحياة البشرية مثل هتلر وموسوليني وصدام حسين وبشار الأسد ونيرون الذي أحرق مدينة روما، وكذلك تبرز حركات وتنظيمات إرهابية هدامة مثل "الخوارج" و"داعش" و"كوكلوكس كلان" المنظمة العنصرية التي ظهرت في الولايات المتحدة.
أعود وأكرر أن الاختلافات بين الناس سواء كانت سياسية أو فكرية أو عقائدية حالة طبيعية لابد أن نتعامل معها بواقعية وبساطة، ولا نفرض آراءنا على الآخرين بالقوة حتى إن كانوا أولادنا وإخواننا، وشركاءنا السياسيين كذلك، فإذا كنا نختلف في أمور، فإننا حتما نتفق في أمور أخرى، دائما ثمة أمور مشتركة بين المتخاصمين، ما عليهم سوى البحث عنها وسيجدونها حتما، فالحياة أجمل وأروع من أن نهدرها بخلافاتنا الغبية!* كاتب عراقي