لست أول من يلفت النظر إلى ما أصبحت عليه مظاهر استقبال شهر رمضان الكريم، بعد أن اختفت كثير من صوره الجميلة التي شكلت جزءاً من تراثنا العربي والإسلامي، وحلت مكانها مظاهر جديدة بروح مختلفة وأدوات أخرى. لم نعد نشاهد الصبية قبل وقت قصير من موعد الإفطار وهم يقطعون الأزقة والشوارع الضيقة حاملين معهم أطباق المأكولات التي قلما نجدها بهذا الحضور إلا في شهر رمضان، يتبادلها الجيران، وبعضها يصل إلى البيوت الفقيرة.
أصبحت الموائد الرمضانية في البيوت تزخر بشتى أنواع الأطعمة التي يتم إحضار بعضها من المطاعم ويُدعى إليها المقربون، بينما يلقى الفائض في أكياس القمامة! لم نعد نرى الأطفال بـ"فوانيسهم" المصنوعة من الصفيح والملونة التي تعمل بالزيت، ولا نسمع أغنياتهم الرمضانية وأناشيدهم التي كانت تصدح بها حناجرهم الصغيرة وهم يطرقون الأبواب التي تفتح لهم بالخيرات من حلوى وفواكه وغيرهما. قلما نجد بيتا يستقبل مقرئا قبل صلاة العصر ليقرأ ما تيسر من الآيات الكريمة ترحما على الأموات وسعيا لبركة تحل على أهله، وأخذ مكان المقرئ مذياع أو تلفاز وقنوات فضائية اختصرت هذا المشهد الجميل في أقصر مساحة عند مواقيت الصلاة ولدقائق يكرر فيها داعية ما يقال في رمضان كل عام، لتسود المشهد مسلسلات وأفلام تتسابق إلى شد الصائم إليها ساعات وساعات. كان الناس ينامون مبكرين ليستيقظوا وقت السحور، فأصبحوا يقطعون الليل سهراً في المقاهي الرمضانية بكل ما فيها، ويشدهم السمر حتى ما قبل الفجر. منذ أصبح العالم "قرية صغيرة" استقبلنا الكثير من غريب العادات التي لا تتفق مع شخصيتنا أو أصالتنا أو تراثنا أو قيمنا الرفيعة التي حافظنا عليها، وبها سُدنا الأمم في زمن ما قبل أن نصبح ملعبا لكل المسرحيات الهزلية والغريبة في أفكارها وأدواتها.ومع هذا الانفتاح والانصهار في بوتقة العالم "القرية"، اقتحم مجتمعنا العربي متسلقون ومنافقون يبيعون الوهم والسذاجة وتمكنوا من صروح الإبداع الحقيقية وحولوها إلى أماكن تهريج يصورونه على أنه فن رفيع يحمل صفات الحداثة والتوحد مع العالم ضاربين عرض الحائط بكل القيم التي لا يمكن لمجتمعنا العربي أن يتقبلها لو كان الظرف مختلفا عما هو عليه الآن من الاضطراب، الأمر الذي هيأ البيئة الصالحة لها، ففُتِحَ المجال لهؤلاء المهرجين كي ينشروا ألعابهم السحرية اللامعة في ظلمة الحالة المتردية عبر القنوات الفضائية، وهي تتسابق إلى جذب المشاهد وإخراجه من الحالة الإيمانية التي تميز الشهر الفضيل.نعم هي سُنة الحياة أن تتبادل الأجيال الأدوار وهي تصنع التغيير في بعض مظاهر الحياة وأدواتها، إلا أن رمضان ليس من"الموضة" أو مما يمكن أن يجري عليه تغيير فيما فــُرِضَ فيه، إلا أن العادات إذ تتبدل يجب ألا تفقد أصالتها وتطمس روحها ويجب ألا تخرج بالشهر الفضيل عن الصورة الإيمانية وروح المحبة والتواصل والتقرب إلى الله. لا يحتاج الأمر هنا أن نذكّر بخصائص الشهر الفضيل، وما يجب على كل من يشعر بالمسؤولية بأن يوجه كلمته وفعله إلى المحافظة عليها وترسيخها في نفوس البالغين وغرسها في نفوس الناشئة على أمل أن تتبدل هذه المظاهر التي لا نعرف متى تنتهي إلى ما هو أفضل!* كاتب فلسطيني - كندا
مقالات - اضافات
مظاهر رمضانية مختلفة!
02-06-2018