آثار صداقة ناصر لعامر!
بسبب التأثيرات العاطفية الخاصة بين قادتنا، حلّت بوطننا العربي كوارث مدمرة، جعلت هذه الأمة تئن تحت وطأة ضربات موجعة ومتلاحقة، حتى أخذت شكل الديمومة.ولست هنا بصدد الحديث عن الحكام التقليديين وميلهم العاطفي الخاص نحو أفراد عائلاتهم، ولا عن أولئك الذين أوصوا بالحكم من بعدهم لأولادهم، كحافظ الأسد، ولا من راودتهم الطموحات بتهيئة أولادهم كمبارك وصدام وصالح، ليحلوا محلهم في القيادة.لكنني سأشير إلى الصداقة التي ربطت بين عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، والأثر الكارثي المدمر الذي تسببت فيه تلك الصداقة على الأمة العربية بأسرها.
***• مساعدة عامر لناصر في الدخول إلى الكلية الحربية كانت حدثاً كفيلاً بجعل عامر هو الأقرب إلى ناصر والصديق الأكثر إخلاصاً له من بين جميع الضباط الذين شكلوا تنظيم الضباط الأحرار.• أول خلاف دبَّ بين محمد نجيب وناصر في عام 1954 كان سببه عامر، لأن نجيب لم يكن موافقاً على تعيينه وزيراً لـ"الحربية"، لكن ناصر أصرّ اعتقاداً منه بحكم صداقته لعامر أنه سيضع يده على الجيش.لكن عامر كان قد أسس لنفسه إمبراطورية عسكرية تعلن ولاءها له أكثر من ولائها لناصر.*** • عامر ركّز على ما يشبع نهمه من ملذات الدنيا فكوّن علاقات مع فنانات، ثم تزوج إحداهن (برلنتي عبدالحميد)، وزوّج مدير مكتبه علي شفيق فنانة (مها صبري)، أما صلاح نصر فحدث عنه في هذا المجال بلا حرج... وكان عامر يتعاطى ملذات أخرى لا يحرمها القانون فحسب، بل يعاقب عليها.• أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كان أداء المؤسسة العسكرية مخيباً للآمال، لذلك نجحت معركة عبدالناصر سياسياً لا عسكرياً.• عام 1958 بعد الوحدة بين مصر وسورية تم تعيين عامر حاكماً على الأخيرة، لكي يخف نفوذه على إمبراطوريته العسكرية في مصر، وكان ذلك التعيين من أفدح الأخطاء التي طعنت وأفشلت المشروع القومي في بداياته الأولى، لأن عامر لم يكن هو الرجل المناسب لمثل هذه المهمة القومية.• الانفصال حدث بسبب ضعف أداء عامر، حيث تمكن مدير مكتبه عبدالكريم النحلاوي، أن يخطط للانفصال، ويطرده من سورية شر طردة.• ومنذ ذلك التاريخ قد دخلت سورية في نفق مظلم من الانقلابات التي أوصلتها إلى ما هي عليه الآن من الدمار، بسبب ذلك الخطأ التاريخي الكارثي الفادح.• هزيمة، أو نكسة 1967 ليست أم الهزائم في تاريخنا المعاصر فحسب، بل هي أم الكوارث والنكبات التي دفعنا وستدفع ثمنها أجيال قادمة من أمتنا العربية... لأن عامر عندما عاد مطروداً من سورية تولى قيادة إمبراطوريته العسكرية، فكان ما كان، ولا أريد الدخول في التفاصيل المؤلمة للنفس.• والمشير عامر كان سليط اللسان، حيث كان ينعت أنور السادات دائماً بالبربري الأسود، ويمارس الفوقية على الجميع باعتباره الأقرب للرئيس، والمتحكم في أقوى سلطة بالبلد.***• بالطبع هناك من سيقول إن عبدالناصر يتحمل مسؤولية كل ما حدث من كوارث، وهذا القول مشروع وهو لم ينكره بل أعلنه رسمياً.• ولكن لا ينفع الندم أمام ضعف الإنسان حينما تحجب غمامة سوداء عنه رؤية الأخطاء التي دفع ناصر نفسه ثمنها أكثر من أي إنسان آخر، لأنه كان صديقاً للمشير!