يؤكد المؤلف د. محمد الشيخ في كتابه «فيروز وسيسيولوجية الإبداع عند الرحابنة» أن فيروز تميّزت بخصوصية وسمات متفردة في أدائها الصوتي في الغناء والمسرح، حيث اندماجها الكامل بالتأثير المتبادل بينها وبين طبيعة الحركة والصوت عندها، من خلال توحدها مع الشخصية سواء في التمثيل أو الغناء، فهي تضيف لمسات إلى ما بعد الشخصية بحس خارق للعادة، مشيراً إلى أن السمات الشكلية والأدائية في صوتها انعكست على فن الرحابنة.

ويضيف المؤلف أن أعمال الرحابنة تأثرت بظاهرة الطبيعة والبيئة، ما جعلها أكثر إقناعاً ومصداقية، وبشكل أو بآخر عزّزت مدركاتهم الحسية، ودعمت أفكارهم الفنية، فالبيئة وما فيها من كل خصائص ومميزات أعطتهم تسليماً بأن الثقافة والفن وليدا البيئة والإنسان معاً، ما جعلهم يتميزون بأعمالهم وفقاً للظروف الاجتماعية في الحقب الزمنية التالية لهم.

Ad

يبدو كلام المؤلف معاكساً لرأي نجل فيروز زياد الرحباني، حول أن الرحابنة لو واصلوا العمل إلى الآن لقدموا صورة مختلفة عن الوطن، ولو عاشوا حتى اليوم لغيروا صورة الوطن المثالي الذي رسموه في أعمالهم المسرحية. غير أن الكتاب يهدف إلى بيان العلاقة الحيوية والمؤثرات التي أتت على كل من فيروز والرحابنة، سواء كانت مؤثرات خارجية تمثل الجو والطبيعة والمؤثرات السيكولوجية، ومدى انعكاس ذلك كله على الإنتاج والإبداع.

ويتفق المؤلف مع ما ذهب إليه جان ألكسان في كتابه «الرحبانيون وفيروز» بأن الرحابنة قدموا أغنية جديدة كسرت التطريبة التقليدية وصياغتها بمواصفات جديدة، في المضمون والمادة الشعرية، وفي المادة الموسيقية والأداء. وباعتبار أن فيروز العنصر الأساس في ظاهرة الرحابنة، أصبحت هي أيضاً «رحبانيّة»، من ثم أدخلت الأسلوبية الجديدة إلى الأغنية واعتمدت الظاهرة الرحبانيّة على تراثين وجذرين هما: التراث الفلكلوري والتراث العربي غير الفلكلوري.

ويرى الكاتب أنه رغم تجذر فيروز في الأرض اللبنانية، فإنها لم تكن ظاهرة لبنانية وحسب، بل هي بفعل قوة اندفاعها باتت ظاهرة عربية نافست للمرة الأولى الظاهرة الغنائية المصرية. وفي هذا المجال، لا بد من القول إن عاصي الرحباني كان أكثر الفنانين العرب انفتاحاً على الغرب، وعلى القضايا والأقطار العربية. ففيروز غنت من كلمات الرحبانة وألحانهم، أجمل ما قيل في فلسطين ودمشق ومكة والإمارات وعمان والأقطار العربية.

مسيرة رائدة

مسيرة فيروز والرحابنة رائدة في تاريخ الفن العربي المعاصر، أفرزت أكثر من ألف عمل فني: 800 أغنية، و23 إسكتشاً، وثلاثة أفلام، و15 مسرحية غنائية. كذلك كرّمتها دول عربية ودولية عدة، وشهدت أكثر من 20 دولة حفلات لها، ما شكّل من ظاهرة فيروز والرحابنة معالم نهضة فنية كبيرة ومهمة، ليس على صعيد لبنان والعالم العربي فحسب، إنما على مستوى العالم، فيمكن القول إن الأغنية العربية كانت قبل الرحابنة وفيروز شيئاً، وصارت بعدهم شيئاً آخر.