البروفيسور إبراهيم بيضون مؤرخ موسوعي، ومرجع في دراسة التاريخ العربي والإسلامي. حاز دكتوراه من جامعة غرينوبل في فرنسا، بتقدير مشرف جداً، ودكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة القديس يوسف في بيروت بتقدير امتياز، ووسام المؤرخ العربي من «اتحاد المؤرخين العرب»، فضلاً عن جوائز تقديراً لعطاءاته الثقافية، لديه 200 مؤلف بين كتب، ومقالات، وقراءات نقدية، وترجمات، ومراجعات كتب أجنبية.

تكمن أهمية د. ابراهيم بيضون في اعتماده منهجاً علمياً موضوعياً صرفاً، واضعاً نصب عينيه خدمة التأليف التاريخيّ العلميّ، ولم يلتزم بالمدرسة التقليديّة، ولا بأيّة مدرسة أخرى، بل أخذ منها ما يتوافق وخصوصيّة الحدث التّاريخي الإسلاميّ، على حد تعبير الباحثة د. جولييت الراسي.

Ad

مسيرة د. بيضون مع التاريخ طويلة. في طفولته وصباه عشق الشعر لكنه اختار التأريخ، رغم نشره أشعاراً في مجلة «العرفان». في بداياته في مجال البحث، شارك مع الدكتور سهيل زكار، أستاذ في جامعة دمشق، في كتابه «تاريخ العرب السياسي من فجر الإسلام حتى سقوط بغداد»، بعد ذلك شقّ طريقه العلمي منفرداً وأصدر كتاب «التوّابون» الذي حقق رواجاً شجّعه على متابعة مسيرته البحثيّة.

مسيرة حافلة

ولد د. ابراهيم بيضون عام 1941 في بنت جبيل بجنوب لبنان وسط عائلة تتسم بالعلم والثقافة، فوالده كان مغترباً تنقل بين الأرجنتين والسنغال ومصر وكان يجلب معه في زياراته للعائلة في لبنان الكتب والمجلات، ما أسهم في إنشاء مكتبة ضخمة في المنزل تزوّد منها الطفل إبراهيم بالعلم والمعرفة وتعرّف إلى كبار الأدباء والشعراء في العالم. كذلك تأثر بتراث منطقة جبل عامل واكتسب منه الكثير، واختلط بكبار الشعراء الذين كانوا يزورون منزل العائلة.

تلقى دروسه في المدرسة الرسمية في بنت جبيل، ثم انتقل إلى بيروت وعمل موظفاً في النهار وتابع دراسته في الليل. رغم أنه نما وسط مناخ عائلي يسوده الأدب، انتسب إلى قسم التاريخ في الجامعة العربية في بيروت عام 1963، وهناك تعرّف إلى أساتذة لهم شهرة في مصر، تركوا أثراً في حياته.

بعد تخرجه في الجامعة سافر إلى فرنسا لمتابعة دراساته العليا لنيل شهادة الدكتوراه، ثم عاد إلى لبنان عام 1971 ومارس التدريس في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية.

شكلت ثمانينيات القرن العشرين نقلة نوعية في مسيرة د. إبراهيم بيضون العلمية، لا سيما في دراساته التاريخية الإسلامية، انصرف خلالها إلى البحث والتأليف والترجمة، ما أثمر لغاية اليوم 24 كتاباً و60 بحثاً وعشرات المقالات، فضلاً عن إلقاء محاضرات في لبنان والكويت والأردن وسورية والمغرب ومصر وليبيا وإيران...

أثنى كبار المؤرخين العرب على عمل د. ابراهيم بيضون من بينهم: الحبيب الجنحاني، وهشام جعيط (تونس)، وعبد العزيز الدّوري، وصالح أحمد العلي (العراق)...

شغل د. بيضون مناصب عدة من بينها: أستاذ زائر في جامعة اليرموك (مركز الدراسات الإسلامية- كلية الآداب) عام 1985، وأستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة الإسلامية في لبنان، وأستاذ مناهج المؤرخين المسلمين في المعهد العالي للدراسات الإسلامية سابقاً، جمعية المقاصد الإسلامية بيروت. كذلك كان رئيس قسم التاريخ في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب، وأمين سر الجمعية اللبنانية للدراسات والبحوث التاريخية، وأمين سر اتحاد الكتاب اللبنانيين، ونائب الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، وعضو اتحاد الكتاب العرب، ورئيس لجنة الدكتوراه (الدراسات التاريخية) في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الجامعة اللبنانية، ونائب رئيس اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة (الأونيسكو).

مؤلفاته

من أبرز مؤلفات د. إبراهيم بيضون: «الدولة العربية في أسبانية، من الفتح حتى سقوط الخلافة» (1986)، «الأمراء الأمويون الشعراء في الأندلس، دارسة في أدب السلطة» (1987)، «من دولة عمر إلى دولة عبد الملك، دراسة في تكوّن الاتجاهات السياسية في القرن الأول الهجري» (1991)، «الحجاز والدولة الإسلامية، دراسة في إشكالية العلاقة مع السلطة المركزية في القرن الأول الهجري» (1995)، «مؤتمر الجابية» (1996)، «مسائل المنهج في الكتابة التاريخية العربية» (1996)، «تاريخ بلاد الشام، إشكالية الموقع والدور في العصور الإسلامية» (2002)، «الإمام علي، في رؤية «النهج» و«رواية التاريخ» (2005)، «الصراع على الشام في عصر الأيوبيين والمماليك، في تحديات الهوية وانقلابية التاريخ» (2005)، «رينيه غروسّيه، ملحمة الحروب الصليبية»، قدم له وراجعه وشارك في الترجمة مع سامية زغيب (2007)، إبراهيم بن الأشتر (2012)، «الفاطميون، الدعوة، الدولة والنظم».

علم ومبدأ

يحدِّد د. إبراهيم بيضون التاريخ بأنه عِلم، من حيث المبدأ «عندما نقول: علْماً، فثمة أسباب ونتائج، وبالتالي، يذهبُ بنا ذلك إلى أماكن لم تكن متاحة سابقاً، إذ كان التاريخ محصوراً في كتابات سردية عقيمة. هذه النقلة بدأت تفرض نفسها، منذ ستينيات القرن الماضي، بشكل خاص، وهيّأت للجيل الجديد، أن يأخذ دوره في مجال التجديد».

يضيف: «نَقَلتْني الدِّراسات التاريخيّة إلى عالمٍ كنتُ أجهله سابقاً، لأُطِلّ، بَعْدَهُ، على مفاهيم جديدة، وقِيمٍ علميّة انغرست في مسامّ حياتي العلميّة».

يتابع: «يندرج التاريخ ضمن العلوم الإنسانية، يعني ذلك أنه لا يصنف في العلوم البحتة، أي أنه، في الواقع، لا ينتهي إلى نتائج حاسمة، كالعلوم الطبيعية، على سبيل المثال؛ وإنما، هو مجرّد مقاربة للحقيقة، قدر الإمكان. ولا يسعفنا في ذلك سوى المنهج الذي يعني الطريق إلى هذه المقاربة».