وُلِدَ سالمُ بن عبدالله بن عمر في خلافة عثمان بن عفان، وتربى في كنف أبيه العالم الزاهد مفتي المدينة، فأخذ عنه العلم والتقوى والزهد جميعا، حتى صار سيداً جليلاً من سادة التابعين وأصبح أحد فقهاء المدينة الذين يفزع إليهم المسلمون.

من أهم ملامح شخصيته أنه كان ممن يؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا التي زهد فيها، ولقد جرب "خلفاء بني أمية" أن يغدقوا عليه الخير كما أغدقوه على غيره؛ فوجدوه زاهداً بما في أيديهم، مستصغراً للدنيا وما فيها.

Ad

ويروى أن الخليفة سليمان بن عبدالملك أتى مكةَ حاجاً، فلما أخذ يطوف طواف القدوم؛ أبصر سالمَ بنَ عبد الله يجلس قُبالة الكعبة في خضوع، يقرأ القرآن، فلما فَرَغ الخليفةُ من طوافه، وصلى ركعتي سنة الطواف؛ توجه إلى حيث يجلس سالمُ بن عبدالله، فمال عليه وقال: رغبت بأن تسألني حاجة لأقضيها لك، فقال سالم: والله إني لأستحي أن أكون في بيت الله عز وجل؛ ثم أسألَ أحداً غيره، ولما قضيت الصلاة نهض سالم يريد المضي إلى رحله، وخرج الخليفة في أثره؛ فقال له: الآن قد خرجت من بيت الله فسلني حاجة، فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟، قال: من حوائج الدنيا، فقال سالم: إني ما سألت الدنيا من يملكها؛ فكيف أسألها من لا يملكها، فخجل الخليفة منه وَحَيَّاه، وانصرف عنه وهو يقول: ما أعزكم آل الخطاب بالزهادة والتقى، وما أغناكم بالله جل وعز، بارك الله عليكم من آل بيتٍ.

وكان سالم وقَّافًا عن حدود الله ومن ذلك ما يرويه عطاء بن السائب: أن الحجاج دفع إلى سالم بن عبدالله سيفًا وأمره بقتل رجل فقال سالم للرجل: أمسلم أنت؟ قال: نعم امض لما أُمرت به، قال: فصليت اليوم صلاة الصبح؟، قال: نعم قال: فرجع إلى الحجاج فرمى إليه بالسيف، وقال: إنه ذكر أنه مسلم، وأنه قد صلى صلاة الصبح اليوم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله"، قال الحجاج: لسنا نقتله على صلاة الصبح، لكنه ممن أعان على قتل عثمان، قال سالم: ها هنا من هو أولى بعثمان مني، فبلغ ذلك عبدالله بن عمر فقال: ما صنع سالم؟، قالوا: صنع كذا وكذا فقال بن عمر: "مكيس مكيس".

وطلب منه عمر بن عبدالعزيز حينما تولى الخلافة سنة 99 هجرية أن يكتب له سيرة جده عمر بن الخطاب ليهتدي الناس بهداه، فكتب إليه سالم:"إن عمر كان في غير زمانك، ومع غير رجالك، وإنك إن عملت في زمانك ورجالك بمثل ما عمل به عمر في زمانه ورجاله، كنت مثل عمر وأفضل".

وحين وافته المنية سنة ست ومئة في آخر ذي الحجة، ارتجَّت المدينةُ حزناً عليه.