أوروبا تعيش انعدام الاستقرار... من قلبها الإيطالي إلى حدودها المجرية

سانشيز يؤدي اليمين كأول رئيس وزراء لإسبانيا يأتي من دون تصويت برلماني

نشر في 03-06-2018
آخر تحديث 03-06-2018 | 00:03
الملك فليبي متوسطاً سانشيز وراخوي في قصر «لاثاراثويلا» قرب مدريد أمس        (أ ف ب)
الملك فليبي متوسطاً سانشيز وراخوي في قصر «لاثاراثويلا» قرب مدريد أمس (أ ف ب)
تشهد أوروبا انعداماً للاستقرار من جراء تقدم النزعات الشعبوية والحكومات غير المستقرة وأجواء البلادة في المشهد السياسي وتقلبات أسواق المال.

فمن قلبها الإيطالي إلى حدودها المجرية، تتعرض أوروبا المعاهدات والتكامل للمشاكل، إما بسبب الأزمات السياسية التي تطيح الحكومات أو تجعلها ضعيفة، أو بسبب الناخبين الذين يختارون قادة مصممين على رفض الأفكار التقليدية، فضلاً عن أسواق المال التي تراقب بقلق كبير كل تطور جديد وتداعياته المحتملة، وخصوصاً في إيطاليا البلد المؤسس لليورو والمثقل بالديون.

وقبل أيام، قال وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر، في برلين، إن "أوروبا توحي لي بشخص يقف على حافة الهاوية، وحتى أبعد من ذلك. لم تعد قدماه ثابتتين على الأرض".

في إسبانيا، سقطت الحكومة المحافظة بزعامة ماريانو راخوي الجمعة بعدما تخلى عنها شريك أساسي، وفي بريطانيا بالكاد تصمد حكومة تيريزا ماي التي تعد لبريكست بفضل تحالف ما، تماما كما في ألمانيا التي تقودها المستشارة انجيلا ميركل.

وفي دول عدة يختار الناخبون حكومات شعبوية مناهضة للمؤسسات، أو ينددون بالليبرالية السياسية والاقتصادية التي تحدد التوجهات في أوروبا: إيطاليا والمجر وتشيكيا والنمسا.

وكتب المؤرخ البريطاني تيموثي غارتون آش في صحيفة "غارديان" ساخرا، أن "ايطاليا مصابة بانهيار عصبي، وإسبانيا تواجه مشاكل داخلية، وبريطانيا على وشك الخروج من الاتحاد، وألمانيا قابعة دون حراك. تتحدثون عن أسرة لا تعمل بشكل سليم".

من جهتها، قالت ايمانويل رونغوت، الأستاذة المحاضرة في العلوم السياسية بـ"جامعة مونبولييه" (جنوب فرنسا) إن "الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة تاريخية في عملية البناء".

وإن كانت الأزمة اليونانية ألقت بظلالها، وهددت بتشتت مالي أوروبي، فقد باتت المشكلة اليوم سياسية بحتة مع نخب غير مستقرة نتيجة الاستياء المتنامي للشعوب الاوروبية التي باتت مخدرة ومشلولة.

وقال سيباستيان مايار من "معهد جاك دولور": "مع هذا المشهد القاتم لم ينطلق المحرك الفرنسي-الالماني"، مضيفا: "ليس هناك دينامية ولا شراكة ظاهرة" بين ايمانويل ماكرون الذي يظهر طموحات كبرى وميركل التي تبدأ ولايتها الرابعة مع أغلبية ائتلافية وتتردد لاتخاذ خطوات لتكامل أوروبي أكبر اذا كان ذلك على حساب أموال ألمانية.

وذكرت المديرة العامة لمؤسسة "روبرت شومان" باسكال جوانين أن "ميركل باتت ضعيفة وماكرون بات وحيدا" لاعطاء دفع لمشروعه.

ووصول ائتلاف بين حزب من اليمين القومي وآخر مناهض للمؤسسات، الى السلطة في روما، قد يزيد خطط الرئيس الفرنسي تعقيدا ويحرمه من حليف محتمل في المفاوضات الأوروبية.

ويرى جون سبرينغفورد من مركز "يوروبيان ريفورم" أن "ايطاليا المسمار الاخير في نعش اصلاحات ماكرون"، أما مايار، فيرى ان الائتلاف الايطالي المنقسم اصلا لا يشكل عائقا امام السياسة الاوروبية.

وأضاف: "مخاطر الوضع في ايطاليا هي المقاعد الشاغرة اكثر من الطاولات المقلوبة"، في إشارة إلى الاطاحة براخوي.

لكن هناك في المقلب الآخر تحولا لهذه النزعة الشعبوية قد يسمح لأوروبا بأن تنطلق من جديد، فقد يساهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال تغيير كل القواعد المطبقة ومن خلال اعلانه حربا تجارية على اوروبا، في انعاشها.

وقالت جوانين: سينجح ترامب ربما فيما عجز عنه آخرون: توحيد الاوروبيين. ودانت ميركل بقوة الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن"، في حين قال مايار: "هذا الامر يرغم على اللحمة وقد تكلل المحاولة بالنجاح اذا سارت الامور جيدا بين فرنسا وألمانيا".

لكن حتى ان نجحت الحكومات في التعبئة ضد ترامب لن تكون قد عالجت جوهر المشكلة كما قالت رونغوت، وهي "تفاقم عدم التناسق بين مطلب المواطنين والعرض السياسي".

في ضوء هذا المنطق ستكون الانتخابات الاوروبية المقبلة في 2019 مهمة جدا.

ويرتسم في الافق وجهان لاوروبا: اوروبا ماكرون واوروبا فيكتور اوربان الرئيس المجري رأس حربة هذه التيارات السياسية المعارضة للبناء الأوروبي كما نعرفه إلى هذا اليوم.

وتعتبر رونغوت أن "الانتخابات الأوروبية ستكون مثيرة للاهتمام، وستركز أكثر على القضايا الأوروبية من المسائل الوطنية كما كان تقليديا حتى الآن. وخلاص أوروبا يترجم تحديدا بمشاركة الشعب في هذه القضايا".

في غضون ذلك، أدى زعيم الحزب الاشتراكي الإسباني، بيدرو سانشيز (46 عاما) اليمين الدستورية، رئيسا للوزراء، أمس، أمام الملك فيليب السادس ليصبح رئيس وزراء أسبانيا السابع منذ سقوط دكتاتورية فرانكو، في عام 1975، وأول رئيس وزراء يتولى السلطة، بدون تصويت للبرلمان.

ويتوقع المراقبون ان يفشل سانشيز في تشكيل حكومة قوية ومستقرة بسبب التحالفات المتناقضة التي نسجها لإسقاط زعيم الحزب الشعبي ماريانو راخوي.

ومن المتوقع أن يحصل تحالف "يونيدوس بوديموس" اليساري المتطرف على العديد من الحقائب الوزارية.

جاء ذلك، بينما وعد وزير الداخلية الإيطالي الجديد، ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة اليمين المتطرف، بطرد حوالي 500 ألف مهاجر غير شرعي من البلاد، قائلا إن هذه القضية ستكون من إحدى أولويات الحكومة.

ودعا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في مقابلة نشرتها صحف ألمانية أمس، إلى "احترام ايطاليا" وحكومة التحالف بين الشعبويين واليمين القومي فيها، مطالبا بعدم "القاء المواعظ" على روما.

وقال يونكر لصحف مجموعة "فونكي ميديينغروب" غداة أداء الحكومة التي شكلها حزب الرابطة اليميني القومي وحركة خمس نجوم المناهضة للمؤسسات: "علينا أن نظهر احتراما حيال إيطاليا".

وهذا التحالف غير المسبوق يقوده جوزيبي كونتي رجل القانون الحديث العهد في السياسة الذي يفترض أن يطبق برنامجا أمنيا وضد التقشف اتفق عليه الحزبان قبل اسبوعين تقريبا.

ودعا الى عدم ارتكاب الاخطاء نفسها مع اثينا، وخصوصا عندما وصل رئيس الوزراء الكسيس تسيبراس زعيم حزب سيريزا اليساري الراديكالي، إلى السلطة مطلع 2015.

وقال رئيس المفوضية الأوروبية إن "كرامة الشعب اليوناني أهينت، وهذا يجب الا يتكرر مع ايطاليا الآن"، مضيفا: "أدعو إلى التحرك بطريقة هادئة. لا اريد على الاطلاق التدخل في السياسة الداخلية الايطالية".

back to top