الأردن... أزمات لا أزمة!
ربما، لا بل المؤكد، أن "الأشقاء"، إن ليس كلهم فبعضهم، الذين يراقبون المشهد الأردني عن بعد، يضعون أيديهم على قلوبهم خشية أن يجري في هذا البلد العربي ما جرى في دول عربية شقيقة، هي ليبيا وسورية والعراق واليمن، خصوصاً أن هناك "تأويلات" إعلامية كثيرة، وأنه يحلو حتى لبعض الأردنيين أن يصفوا هذا الذي يجري في بلدهم بأنه استمرار لـ"الربيع العربي" الذي هو في حقيقة الأمر كان ولا يزال شتاءً عاصفاً ومدمراً، والأسباب هنا متعددة وكثيرة.لا شك في أن الأردن يواجه مشكلة اقتصادية لا سياسية، غدت مستعصية، لكن ما يدعو إلى الاطمئنان واستبعاد كل هذه المخاوف هو أن الأردنيين في العادة "يهبون" في لحظة غضب طارئة، ثم لا يلبثون أن يهدأوا عندما يشعرون باقتراب أي خطر قد يهدد وطنهم، وهذا حدث في مرات سابقة كثيرة، حيث ما لبثت الأمور أن عادت إلى طبيعتها، بعدما وصل التأزم ذروته كما يقال!
لقد أثبتت التجارب التاريخية، وعلى مدى نحو قرن بأكمله، أن الأردنيين يثورون في لحظة معينة كالقنابل المتفجرة، لكنهم عندما يشعرون بأي خطر يهدد بلدهم أو يهدد نظامهم لا يلبثوا أن يتناسوا أوجاعهم، ويغلبوا الأهم على المهم، فكل شيء إلا الوطن وتماسكه، وكل شيء إلا أن يحصل في هذا البلد، الذي يشبه أقحوانة على طرف الصحراء، ما حصل في بعض الدول العربية القريبة والبعيدة.إن المشكلة في الأردن، إضافة إلى أنها بالأساس مشكلة اقتصادية، هي موقعه الجغرافي الذي جعله دائماً وأبداً جزءاً من الوجدان الفلسطيني، وفي قلب المشكلة الفلسطينية، وأنه بقي يتلقى انعكاسات ما يجري في العراق وفي سورية، وحقيقة في الوطن العربي كله، فهو يقع في قلب هذا الوطن، ويصاب بصداع شديد إذا شعر أي بلد عربي بأي وجع في رأسه.لا شك في أن الأردنيين لجأوا إلى كل ما جرى في الأيام الأخيرة، كاعتراض على بعض السياسات الداخلية والخارجية، ورفضاً لبعض إجراءات التعاطي مع صندوق النقد الدولي، لكن بالأساس ما أوصلهم إلى ذروة التوتر هو ما جرى ويجري في هذه المنطقة، وخصوصا في فلسطين، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وفي سورية وفي العراق وفي اليمن... وفي كل مكان من هذا الوطن الكبير.لقد طالب المحتجون والمتظاهرون برحيل الحكومة الحالية، وحقيقة إنه يجب أن ترحل هذه الحكومة استجابة لرغبة غالبية الأردنيين، لكن المشكلة تكمن في أن ما يعكر المزاج العام للشعب الأردني، ويدفعه إلى كل هذه الاحتجاجات العنفية، لا يقتصر على الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعلى الأزمة مع صندوق النقد الدولي، بل هناك أيضاً الأوضاع العربية البائسة، وكل هذا التشظي الذي ضرب ليبيا والعراق وسورية واليمن، وهناك أم القضايا كلها وهي القضية الفلسطينية المقدسة.