المأمون يتجوَّل ليلاً في بغداد بحثاً عن «قرَّة العين» (20 - 30)  

نشر في 05-06-2018
آخر تحديث 05-06-2018 | 00:01
نستكمل اليوم مع شهرزاد حكايات الليالي العربية، إذ بدأت تبتعد عن حكايات الزهاد والعباد التي وعدت بها شهريار خلال الحلقات السابقة، لتنتقل إلى قصص الحب العذري، التي تتحول في قليل منها إلى قصص العشق والهيام.
اليوم تروي شهرزاد قصة أبي عيسى الذي تعرفه بأنه شقيق الخليفة المأمون، والذي لا يملّ الخليفة صحبته. وقع أبو عيسى في حب جارية لأحد أثرياء بغداد وهام بها وطلب من أمير المؤمنين أن يتجوّل بين سهرات الليل في بغداد للاستماع إلى جواري الآخرين والوصول في النهاية إلى الاستماع إلى محبوبته «قرَّة العين».
لما كانت الليلة الثانية والسبعون بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: يُحكى أيها الملك السعيد، أن الخليفة المأمون كان يستريح إلى صحبة أخيه أبي عيسى، وكثيراً ما كانا يخرجان معاً لتفقد أحوال بغداد، ويحضران مجالس العلم والأدب والطرب فيها. وروى عمر بن مسعدة، أن أبا عيسى هذا وقع في حب جارية مُغنية، كانت عند علي بن هشام، فلما اشتدَّ به الغرام، وأضناه الوجدُ والهيام، ولم يجد سبيلاً إلى الحصول على تلك الجارية، لشدة إعجاب سيدها بجمالها وذكائها وغنائها، دَخَلَ على أخيه المأمون ذات ليلة وقال له: إن هذه الليلة من ليالي الشتاء الطويلة وفي مثلها يحلو السهر وسماع الأصوات الجميلة، وقد سمعنا المغنيات اللائي عندنا كلهن، فما قولك في أن نمضي ليلتنا في سماع المغنيات عند غيرنا؟

استحسن المأمون رأي أبي عيسى، وخرج معه، فركبا زورقاً اسمه «الطيَّار»، ولم يزل يسير بهما في نهر دجلة، وهما جالسان يتفرجان على ما يمران به من مناظر القصور المتلألئة بالأنوار، ويطربان مما ينبعث منها من رنَّات الأوتار، إلى أن صارا في محاذاة قصر حميد الطوسي. أوقفا الزورق عند مدخله من جهة النهر، ثم دخلا وسارا حتى وصلا إلى مجلسٍ معقود، تجاوبت فيه أنغام الناي والعود، مع رنين كؤوس ابنة العنقود، ومُدت موائد الطعام من مختلف الألوان، وعبق المكان بعبير الورد والريحان، فنهض الجميع لاستقبالهما، وبالغوا في الترحيب بهما. ولكنّ أبا عيسى لم يكن يريد إلا مجلس علي بن هشام، لعله يسعد برؤية «قرة العين»، ويخف ما يشكوه من آلام البين. وعلى هذا، قال لأخيه المأمون: لو أننا توجهنا إلى قصر ابن هشام، لطاب لنا هناك المقام. فقال المأمون: هيا بنا إليه. ثم قام ومشى أبو عيسى بن يديه، إلى أن ركبا الزورق ومضيا فيه إلى قصر ابن هشام، وكان قصراً لم ير الراؤون أحسن منه، كل أرضه وجدرانه، وأعمدته من الرخام، وقد زُيِّنت بالزخارف العربية والفارسية والرومية، وفُرش بالأبسطة الثمينة الفاخرة، وامتلأ بالتحف الغالية النادرة.

وما كاد الزورق يقترب من الباب، حتى عرفهما بعض الحجاب فأخبروا مولاهما، فهُرع إليهما وأحسن استقبالهما، ثم مضى بهما إلى مجلس فيه أكثر من مئة خوان، عليها من الطعام أشهى الألوان، ومن الشراب ما ينعش الأرواح والأبدان، ومن حولها الجواري والغلمان، كالحور والولدان في الجنان، وقد دارت بنت الحان، في كؤوس من الذهب الرنان، زينت باليواقيت والمرجان. وعلى الجدران تصاوير بديعة الألوان لفرسان وأسود وغزلان، وطيور على الأغصان. جلس المأمون وأخوه يأكلان ويشربان، وكان من بين الطعام مئة لون من لحوم الطير الشهية، بين مشوية ومقلية، ومئة لون من الفواكه. أما الشراب فكان بعضه من عصير الأعناب، وبعضه من عصير التمر المُستطاب، وغيرهما مما لذَّ وطاب وفاق الشهد المذاب، وكاد للطافته أن يُخفى في الأكواب!

قال علي بن هشام للخليفة: هل يسمح مولانا الآن، بسماع ما تيسر من الألحان؟ فقال المأمون: حباً وكرامة. فأشار ابن هشام إلى بعض غلمانه إشارة خفية، فقاموا وغابوا قليلاً ثم رجعوا ومعهم عشرة مقاعد ذهبية، ومن خلفهم عشر من الجواري بالملابس الرومية والفارسية، وقد ازدانت نحورُهنَّ ومعاصمهن بالحلي الذهبية واللآلئ النقية، ولكل منهنَّ قامة سمهرية، وطلعة قمرية بهية. ثم جلست الجواري وأخذن في العزف والغناء، بينما المأمون وأخوه والحاضرون جميعاً يتمايلون من فرط الطرب والانتشاء.

نظر الخليفة إلى جارية منهن اسمها سجاح، وطلب منها أن تغني لحناً، فغنَّت هذه الأبيات، بلحن بديع النغمات:

أقبلت أمشي على خوف مخالسة

مشي الغزال رأى شبلين قد وردا

سيفي خضوعي، ورمحي ما أكابده

من حر شوق بقلبي اشتد واتقدا

حتى دخلت على هيفاء غانية

يا ليت ليلتنا دامت لنا أبدا!

سألها المأمون: أحسنت يا سجاح، فلمن الشعر واللحن؟ أجابت: الشعر لعمرو بن معد يكرب الزبيدي، والغناء لمعبد.

وبعد ذلك، انصرفت سجاح وصاحباتها، وجاءت عشر مغنيات آخريات، ملابسهن من الحرير الأخضر... فإذا هن أبدع جمالاً، وأفتن دلالاً، ثم عزفن وغنين، فأمتن وأحيين وأنسين المأمون والحاضرين كل ما فات، من روائع الألحان والنغمات، كانت رئيستهن اسمها ظبية، فقال لها المأمون: غني لنا لحناً يا فاتنة الظباء، فغنت تقول:

حورٌ حرائر ما هَمَمْن بريبة

كظباء مكة صيدهن حـــــــرام

يُحسبن من لينِ الكلام غوانيا

ويصدهن عن الخنا الإسلام

سألها المأمون: لك درك يا ظبية، لمن الشعر واللحن؟ أجابت: الشعر لجرير، والغناء لابن سريج. ثم انصرفت ومعها صاحباتها، وجاءت بعدهن عشر جوار آخريات كأنهن اليواقيت، وملابسهن من الديباج الأحمر، وجمالهن أبهى وأبهر، فغنين أبدع الألحان، وأتين من حسن الصنعة وعذوبة الصوت بما فاق كل حسبان. ثم التفت المأمون إلى رئيستهن واسمها فاتن، وقال لها: اسمعينا لحناً فاتناً مثلك، فأنشدت تقول، بصوت يخلب القلوب والعقول:

أنعم بوصلك لي فهذا وقته

يكفي من الهجرانِ ما قد ذقته

أنتَ الذي جمع المحاسن وجهه

لكن عليه تصبري فرقتــــــــــــــــه

أنفقت عمري في هواك وليتني

ألقى ولو بعض الذي أمَّلتـــــه

سألها: أحسنت كل الإحسان، فلمن هذه الأبيات، ومن الذي لحنها؟ أجابت: الأبيات لعدي بن زيد، واللحن نسجته على منوال الطريقة القديمة.

هشام بن علي

انصرفت فاتن ومن معها من الجواري المغنيات، وحلَّت محلهن عشر جوار آخريات، فأطربن بالنغمات، وكن مرتديات ثياباً كسرويات، وقد تفوقن على السابقات، بكمال الصفات وحلاوة الأصوات واللفتات والإشارات، وأعجب المأمون خصوصاً بجارية صغيرة بينهن. سألها: ما اسمك؟ أجابت: اسمي رشا يا أمير المؤمنين. فقال لها: اسمعينا لحناً مما تحفظين، فأنشدتْ تقول:

وأحور كالغصن لما انثنى

ومال وكالظبي لما رنا

شربتُ المدامة من خـــدِّه

وذقتُ من الثمر المـُجتني

وكنا وكان الهوى بينــــنا

سميعاً مُطيعاً ونلنا المنى

طرب المأمون طرباً شديداً، وقال لها: زيدينا بالله يا رشا، فغنت تقول:

وقفت ترقب النجوم مهاة

تخجل البدر بالجبين المنير

وعليها من الحرير قميص

فوق جسم بدا كورد نضير

لما انتهت رشا من غنائها كان الليل أدبر، والصبح أسفر، فتهيأ المأمون للانصراف مكتفياً بما رأى وسمع، ولكن أخاه أشار إليه أن ينتظر، وقال لعلي بن هشام: الخليفة يسره أن يسمع لحناً من «قرة العين»، فقال له: حباً وكرامة. وأمر إحدى الجواري الحاضرات، باستدعاء «قرة العين»، فقامت وغابت قليلاً داخل القصر، ثم رجعت ومعها جارية كأنها قضيب بان، لها عينان فتانتان، وحاجبان كأنهما قوسان، وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر، مرصع بالدر والجوهر، وتحته عصابة مكتوب عليها بالزبرجد:

جنية ولها جنّ تعلّمها

رمي القلوبِ بقوسٍ ما لها وترُ

ما كاد المأمون يراها، حتى بهره جمالها وبهاها، ثم التفت إلى أخيه أبي عيسى فوجده اصفرّ وجهه وتغيَّرت حاله فقال له: ما بك يا أخي، وهل كنت تعرف هذه الجارية؟ فأنَّ وبكى، وحنَّ واشتكى، وقال: نعم يا أمير المؤمنين، إني بها لمن المغرمين. ثم جلست «قرة العين» وعزفت على العود، فتحرك من الطرب حتى الحجر الجلمود، وأنشدت بعد ذلك بصوتٍ خلاب يأخذ بالألباب:

رحل الأحبة عنك بالأدلاج

وغدوا بعيداً منك رهنَ فجاجِ

قد كان عيشك مثل شهد بينهم

فغدا كملح بعد ذاك أجـاجِ

طرب الخليفة طرباً شديداً، وسألها: لمن الشعر واللحن يا قرة العين؟

فقالت إن الشعر يا أمير المؤمنين لدعبل الخزاعي، أما اللحن فهو لزوزور الصغير، ثم عزفت وغنَّت هذه الأبيات:

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحباً

جهاراً، فكن في الغيب أحفظَ للودِ

ولا تُصغِ يوماً للوشاة فقلَّما

يُبلغك الواشــــون إلاَّ من الحقد

إلا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادني مسراك وجداً على وجدِ

وقد زعموا أن المُحبَ إذا دنا

يُمل وأن البعد يُشفي من الصد

بكُلٍ تداوينا فلم يُشف ما بنا

على أن قرب الدارِ خيرٌ من البعد

على أن قرب الدار ليس بنافع

إذا كان من تهواه ليس بـــــــذي ودِ

لما فرغت من إنشادها، قال أبو عيسى لأخيه المأمون: أتأذن لي في الرد عليها يا أمير المؤمنين؟ فأذن له في ذلك فقال أبو عيسى:

سكت ولم أقل إني محب

وأخفيتُ المَحبـــةَ في الضمير

فإن ظهر الهوى في دمعِ عيني

فما لي غير دمعي من سمير

فلما سمعت قرة العين كلامه، وحققت وجده بها وهيامه، عزفت على العود، وغنت هذه الأبيات:

لو كان ما تدعيه حقاً

لما تعللت بالأماني

ولا تصبرَّت عن فتـــاة بديعة الحسن والمعاني

لكن دعواك ليس منها

شيء سوى القول باللسان

فجعل أبو عيسى يبكي وينتحب، ويتوجَّع ويضطرب، ثم صعد الزفرات وهو يبادلها النظرات، وأنشد هذه الأبيات:

تحت ثيابي جسدٌ ناحل

وفي فؤادي شغل شاغل

ولي فؤاد داؤه دائم

ومقلة دمعها هاطل

وكلما سالمني عاذر

قام للومي في الهوى عاذل

يا رب لا أقوى على كل ذا

موت وإلا فرج عاجل

ثم رمى أبو عيسى نفسه على هشام بن علي، وأخذ يقبله ويبكي. فقال له هشام: أبشر يا سيدي بنيل المرام، وما دمت أنت و{قرة العين»، قد صرتما عاشقيْن، فأنا أشهد الله وأمير المؤمنين، وجميع الحاضرين، على أني وهبتها لك، فشكره أبو عيسى والمأمون على أريحيته، وانصرفا ومعهما الجارية «قرة العين»، وبقيت عند أبي عيسى في سعادة وسرور، إلى أن وافاهما القدر المقدور، فانتقلا إلى القبور بعد القصور، وإلى الله تُرجع الأمور.

الرشيد وأبو نواس

لما كانت الليلة الثالثة والسبعون بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة هارون الرشيد، انتابه الأرق ذات ليلة، وشعر بقلقٍ شديد، فقام يتمشى في جوانب قصره، ليسرِّي عن نفسه. فيما هو كذلك لقي جاريةً له كان مُعجباً بجمالها ودلالها وذكائها، ولاحظ عليها أنها تتمايل من شدة سكرها. لما استوقفها ليتحدث إليها، حاولت الفرارَ منه إلى مقصورتها، فلحق بها وجذب رداءها من خلفها، فسقط عن منكبيها، وانحل أزارها... فبدا ما كان يغطيه من جسمها، فاشتد افتتانُه بها، وأراد أن يصحبها إلى مقصورتها، فاعتذرت من عدم استطاعتها تلبيه طلبه في هذه الليلة، قائلة: في الصباح أكونُ في حالة أصلح لمجالسة أمير المؤمنين ومؤانسته.

الخليفة يستقل الزورق «الطيَّار» في نهر دجلة ويتطلع إلى أضواء القصور ليلاً ويستمع إلى نغمات الليالي الساهرة، وختمتْها مُداعبةً إياه بقولها:» كلام الليل يمحوه النهار». لما قرأ رسالتها، ازداد شوقاً إليها وإعجاباً بفطنتها، وسأل عمن بالباب من الشعراء، ثم أذن لهم في المثول بين يديه، وقال لهم: أنشدوني شعراً يكون فيه: «كلام الليل يمحوه النهار».

فتقدم الرقاشي الشاعر وأنشد هذه الأبيات:

أما والله لو تدرين وجدي

لما وسعتك في بغداد دارُ

وكيف أطيقُ عنك اليوم صبراً

وليس لمهجتي عنك اصطبار

كفى عذراً بقولك في دلال

«كلام الليل يمحوه النهار»

فقال له الرشيد، أجدت وأمر له ببدرة من الذهب، ثم تقدم دعبل الخزاعي، فأنشد هذه الأبيات:

متى تصحو وقلبك مستطار

وقد منع القرار فلا قرار

لقد تركتك صباً مستهاماً

فتاةٌ لا تزور ولا تُزار

إذا وعدتك صدت ثم قالت

«كلام الليل يمحوه النهار»

فقال له الرشيد: أجدت وأحسنت، وأمر له ببدرتين من الذهب. ثم تقدم أبو نواس فقبل الأرض بين يدي الخليفة وقال: هل يأذن لي مولاي في أن أنشد ما أوحى به شيطان شعري في هذا المعنى، من الوزن والقافية، فأذن له في ذلك، وأنشد أبو نواس يقول:

تمادى الهجر وانقطع سكري

وجاهرنا فلم يغن الجهار

وليلة أقبلت في القصر سكرى

ولكن زيّن السكر الوقار

وقد سقط الردا عن منكبيها

من التخميش وانحل الإزار

فأسفر عن رياض يانعات

على أغصانها دنت الثمار

فقلت لها: ألا وصل فيرجي؟

فقالت: في غد يحلو المزار

وجاء غد، فقلت: الوعد؟ قالت:

«كلام الليل... يمحوه النهار»

لما سمع الرشيد هذه الأبيات من أبي نواس، قال له: قاتلك الله! لا بد من أنك كنت معنا في تلك الساعة، وما جزاؤك على هذا إلا ضرب عنقك، لتكون عبرةً لغيرك. فقال له أبو نواس: والله يا أمير المؤمنين، ما فارقتُ بيتي طوال تلك الليلة، ولكن شيطان شعري هو الذي أوحى إليَّ بما قلت، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:» والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون».

فضحك الرشيد، وعفا عنه، وأمر له بجائزة مضاعفة.

عائشة بنت طلحة ومصعب

قالت شهرزاد للملك شهريار: يحكى أيها الملك السعيد أن أبا الأسود الدؤلي واضع «علم النحو»، اشترى جارية في عينيها حَوَل، فلما قدَّمها لأهله أخذوا يعيرونها بذلك الحَوَل، ويعدونه عيباً فيها، ووجدها مرة وهي تبكي لهذا السبب، فطيب خاطرها، وأنشد في وصفها قائلاً:

يعيبونها عندها ولا عيب عندها

سوى أن في العينين بعض المآثر

فإن نظرت يوماً لعيبٍ أمامها

ثنت عنه عينيها بنيـة عاذر

ومما يحكى أن مصعب بن الزبير بن العوام، سمع يوماً جارية عنده تنشد هذين البيتين:

نعم، ثغرها دائماً يشتهى

لذيذ المقبل، والمبتسم

وما ذقته غير ظن به

وبالظن حيناً يقول الحكم

سألها: من قائل هذا الشعر، وفي من قاله؟ فأجابت: لست أدري قائله، ولكني أحفظه من عهد بعيد، وقد أذكرني به الآن، إني سمعت بعض الجواري يتحدثن عن جمال عائشة بنت طلحة. فقال لها: أهي من الحسن، بحيث ينطبق عليها هذا الوصف؟ فاجابته: بل هي أجمل وأكمل... وإن وجهها لأضوأ من الصبح إذا تنفس، وشعرها أحلك من الليل إذا عسس، ولها عينان نجلاوان، فوقهما حاجبان كأنهما قوسان، وتحتهما خدان أسيلان، يتوسطهما أنف أقني واضح الاتزان، وفم جمع بين اللؤلؤ والمرجان. أما عنقها فهل رأيت إبريقاً من الفضة النقية، وأما صدرها فهل رأيت الروضة الجنية، وقد أينعت ثمارها الشهية؟ ثم لها من دون ذلك فخدان ملفوفان، وساقان مستويتان، وهي فوق ذلك كله فصيحة الكلمات، مليحة الإشارات واللفتات.

فقال لها مصعب: حسبك وصفاً، فقد زدتني بها شغفاً. ثم سعى حتى تزوج عائشة فكانت قرة لعينيه، وفرحة لقلبه، إلى أن توفاه الله.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى اللقاء في حلقة الغد

back to top