"علي" ابني الأصغر يبلغ العاشرة وثلاثة أشهر من عمره، رفض أن ينام في الوقت المحدد له كالعادة. حين حاولت أن أقنعه بضرورة النوم باكرا افتتح معي حوارا غريبا، سأحاول ترجمته بالدقة الممكنة،- لماذا أنام؟
- يجب أن تنام لتصحو نشيطا في الصباح.- هل ينام قلبي حين أنام؟- لا طبعا.- هل ينام عقلي؟ هل تنام رئتي؟- لا هذه الأجهزة لا تنام.- هذه الأجهزة لم تنم منذ عشر سنوات وثلاثة أشهر، فلماذا أنام؟تركته في سريره وأنا أسأل نفسي: "ما الذي ينام فينا حين ننام؟"، ولكن هذا ليس موضوعنا. ما فكرت فيه هو هذا الحوار الغريب بيني وبين طفل في العاشرة وثلاثة أشهر، ماذا لو فكرت أن أجعل هذا الحوار يدور بيننا في رواية أو عمل درامي؟ سيخرج الكثيرون ينكرون أن يدور حوار كهذا مع صبي في هذه السن، وسأقتنع بأن معهم حقا، وأن تلك حالات تختلف باختلاف الأشخاص. ولكن السؤال الأهم: لماذا تنحدر الحوارات في أعمالنا الدرامية لدرجة أن حوارات طفل في العاشرة تفوقها وتتفوق عليها؟يعلم أغلب الروائيين أن الحوار بين الشخصيات المتشابهة فكريا أو المختلفة اجتماعيا أو تلك المتباينة نفسيا هي العمل الأصعب في الرواية، وإدارة هذه الحوارات تتطلب قدرة أكبر من تلك التي يتطلبها السرد. الحوار يحتاج تمكن الكاتب من تقمص الشخصية التي أمامه واستعارة لسانها لاستنطاق فكرها، آخذا بعين الاعتبار الشخصية التي تتبادل معها هذا الحوار، فحوار شخص عاقل وآخر مختل عقليا قد يتطلب من العاقل تنازلا في الحوار لا يحتاج إليه وهو يحاور شخصية تمتلك كامل وعيها. الأمثلة الكثيرة التي يمكن تناولها تجعلنا نهتم بهذه الحوارات لنعرف درجة وعي الشخصية وحالتها النفسية ومكانتها الاجتماعية. ذلك هو ما ينقص أعمالنا الدرامية التي تبعث على الخجل في إدارة حواراتها.على العكس من الرواية التي تعتمد على السرد، وقد تقتصد في الحوارات دون أن يختل مضمونها أو تهتز فكرتها، فالعمل الدرامي، والكويتي تحديدا، يعتمد الحوارات لتشكيل فكرة العمل ومضمونه. العمل الذي يدور غالبا في الغرف أو بين أربعة جدران، وحين يخرج من هذه الأطر يدور في سيارة، هو عمل حواري بالدرجة الأولى، والجهد الذي يبذله الكاتب في هذا العمل يتركز في تمكنه من إدارة هذا الحوار. ولكن هل هذه الحوارات السمجة والتافهة وكم الشتائم والألفاظ النابية تستحق الورق الذي كتبت عليه؟ أغلب هذه الحوارات هي جمل متوقعة وكليشيهات بدت وكأنها مكتوبة سلفا، أو حوارات مفتعلة تتشابه وإن اختلفت الشخصيات.مشكلة هؤلاء المؤلفين أنهم يستمدون حواراتهم الساذجة من طبقات معينة في المجتمع تتشابه في السطحية، ولا يقتصر ذلك على شخصية واحدة، وإنما تشترك فيه جميع الشخصيات حتى تبدو كشخصية واحدة لا نود أن نقول إنها أقرب للمؤلف وثقافته. هذه الحوارات التافهة لا تتغير حين يتناول المؤلف شخصية أستاذ جامعي أو طبيبة علم نفس أو مثقف. فالمؤلف هنا رهين عجزه. سمعت أحدهم يبرر تفاهة هذه الأعمال وهو يقول ليس علينا أن نقدم جميعنا أعمالا عميقة. ولكن أعمال هذا العام لم تشهد عملا استثنائيا سواء كان كوميديا أو تراجيديا. ولا نعلم هل مستوى الأعمال سينحدر أكثر في الأعوام القادمة أم نشهد ثورة درامية حقيقية؟ سننتظر ونرى.
توابل - ثقافات
الحوار في الدراما الكويتية
05-06-2018