يجمع شَمَشْ، وهو مجسم ضخم، بتناغم تام وتآزر، الأشكال والمواد والأصوات، ليمزج بين الابتكار الموسيقي والبحث البصري وليدمج التكنولوجيا الحديثة بالآثار القديمة. أما النتيجة فمحرّك ضخم مركّز أمام حائط برّاق، يستحضر صورة «العجل الذهبي» ويُصدر موسيقى الغَسَق التي تسكن الروح، من تأليف زاد ملتقى.

في هذا التجهيز الضخم، يستعد ملتقى لاستحضار الأبوكالیبس العربي، الذي يقول إنه «لا يمكن تجنبه»، وذلك من خلال استخدام الرمزية المستوحاة من الآثار، ومواجهة الوحشية بيديه الاثنتين.

Ad

هذا العمل الضخم هو تأمل في الطبيعة الدورية للتاريخ، أي تشابك وتداخل الماضي والحاضر والمستقبل، والعنف الخفي الذي يؤطر هذه البُنى. من خلال العمارة المرئيّة والتركيبات الصوتيّة، ينخرط العمل في حوار «زَمَكانيّ» سَمَعيٍّ بين مواقع النزاع، في محاولةٍ لمراجعة ومناقشة الأحداث الأخيرة في المنطقة.

قانون حمورابي

حول معرضه يوضح زاد ملتقى: «يستمد مشروع شَمَشْ جذوره من قانون حمورابي، الذي يعتبر أول قانون لناحيتي التكاملية والشمولية، حفر على نصبٍ عالٍ من حجر البازالت الأسود قبل نحو ألفي عام. على رأس هذا الطوطم يتربع شَمَشْ، إله الشمس. تماماً كما يوزّع الضوء الظلال، كذلك يفضح شَمَشْ الشر في وضح النهار ويضع حداً للظلم».

يضيف أن هذا التجهيز يفرض نفسه وسط أسئلة تدور حول فكرة ما الذي سيبقى مقدساً «في صميم قلب الإنسان»، من خلال حوار يشمل الجميع بين أور في العراق، وبيروت في لبنان، وحلب في سورية، وكل المواقع التي كانت شاهدة على العنف وتفيض اليوم بقوة إقليمية رمزية.

الشمس المُظلمة

في خلال أمسية الافتتاح قدّم الفنان زاد ملتقى معزوفة موسيقية عنوانها «شَمَشْ ايتيما» (الشمس المُظلمة) أدتها جوقة الجامعة الأنطونیة، بقیادة الأب توفیق معتوق، وهي تشكل جزءاً أساسياً من المعرض، ألفها زاد ملتقى لـ32 مغنياً، واستوحاها من اللغات القديمة. أما كلماتها فمستمدّة من نشید إله العدل السومري، وتستند إلى مفردات أكادیة مشوّهة ومبتورة، وكأن صاروخاً سقط وسط اللغة وأشعل حريقاً هائلاً في الكلمات.

في حين أن أصوات الإنسان والأرض تعجز عن متابعة مسيرتها وسط مادة موحلة تحبس الأصوات، يحوم لحن سماوي فوقي، لحنٌ غريب ينطلق من مفاعل محرّك قاذفة قنابل يعود إلى خمسينيات القرن الفائت. في خضم هذه المأساة التي ترزح تحت وطأتها منطقة الشرق الأوسط، يجبر شَمَشْ العنف على الغناء من أجل أن يكمّ فاهه.

يذكر أن معرض شَمَشْ في الجناح اللبناني المشارك في الدورة 57 من بينالي البندقية 2017، من تنسيق ايمانويل دايدي، وشكل مساء أمس الاثنين محور مناقشة بين زاد ملتقى وغريغوري بوشكجيان في متحف سرسق.

شَمَشْ من إنتاج نادین صدّي زكّور ونادين مجدلاني بكداش من غالیري «جنین ربیز»، وهي الجهة التي تُمثّل الفنان زاد ملتقى في بیروت.

عوالم مختلفة

من موالید 1967 في لبنان، یقیم ویعمل بین بیروت وباریس. مؤلّف موسیقي وفنان تشكیلي، یستكشف منذ سنوات هذه العوالم المختلفة عبر السعي إلى الجمع، بطریقة متناغمة، بین البحث الموسیقي والبصري.

عاش الفنان زاد ملتقى في بيت تسوده أجواء الفن والثقافة، فوالداه أنطوان ولطيفة ملتقى، من أبرز رواد المسرح الحديث في لبنان، وشاركا مع المخرجين منير أبو دبس وريمون جبارة ويعقوب الشدراوي وغيرهم في نهضة المسرح في لبنان في النصف الثاني من القرن العشرين، وقدما مسرحيات لا تزال خالدة في الذاكرة المسرحية في لبنان.

شارك زاد ملتقى بموسيقاه في مهرجانات عالمية آخرها في مهرجانات بعلبك الدولية (2015 و2017). من أبرز أعماله: «زارني» (2002)، مقطوعة مستوحاة من قصيدة لإيتل عدنان (2006)، «الضفة الأخرى» (2009)، «الآلام حسب مريم» (2012)، «حمص» (2014)، «شغف أدونيس» (من قصائد للشاعر السوري 2016-2015).

وفي مجال الفن التشكيلي، يعرض زاد ملتقى أعماله بانتظام في لبنان والبندقیة وباریس.

نال جوائز وتكريمات لبنانية وعالمية من بينها: جائزة الإبداع من المنتدى الثقافي اللبناني في باريس (2011)، لعمله الدؤوب في إيجاد مساحة تجمع جذور الموسيقى العربية وتقنية الغرب.