«الليثيوم التشيلي»... فرصة ثراء ومخاوف اندثار
جرس إنذار لشركات التعدين التي بدأت تتوسع بإنتاجها
أصبحت العديد من البلدات في دولة تشيلي مهجورة بعد انهيار أسعار النترات الذي شكل تحذيراً شديد اللهجة للسلع القادمة التي تبحث عنها شركات التعدين.وفي الأيام الحالية، اعتبر خبراء أن المباني الهالكة والنباتات المغبرة في بعض البلدات التشيلية – التي شهدت في الماضي أنشطة تعدينية كبيرة – بمنزلة جرس إنذار لشركات التعدين، التي تشرع في التوسع في إنتاج الليثيوم. وارتفعت أسعار الليثيوم إلى ثلاثة أضعافها على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، مما دفع بالشركات إلى السباق للحصول على موارده، لاسيما أن هذا المعدن الأبيض يستخدم بكثافة في صناعة البطاريات سواء للسيارات الكهربائية أو الجوالات.
ووفق تقرير نشرته «بلومبرغ»، يعكف باحثون لدى جامعة «ستانفورد»على العمل سراً لتطوير بديل كيميائي لليثيوم الذي ينتعش في الأسواق العالمية، ولا يزال في أذهان مسؤولي شركات التعدين الطفرة، التي شهدتها تشيلي وأصبحت مجرد ذكرى.وفي حين يرى مسؤولو شركة «إس كيو إم» التشيلية أن أنشطة تعدين الليثيوم لا يزال أمامها الإمكانية الزمنية لمزيد من الازدهار، يرى البعض الآخر ضرورة ترقب التطورات القادمة والتحولات التكنولوجية التي تعني إمكانية نهوض معدن وانهيار آخر.
درس من الماضي
بالعودة إلى أوائل القرن العشرين، ابتكر علماء ألمان أسمدة اصطناعية للمحاصيل الزراعية يمكن أن تكون أرخص تكلفة من النترات التي يتم تعدينها وشحنها من تشيلي إلى مختلف دول العالم على أثر ذلك، هبطت أسعار النترات بشكل حاد، وفي ثلاثينيات القرن الماضي، انهار الاقتصاد التشيلي نتيجة إفلاس عدد من شركات التعدين وتعثرت الحكومة في سداد ديونها.علاوة على ذلك، ساد عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مما أجبر الرئيس التشيلي في ذلك الوقت للهرب خارج البلاد، وتحولت بعض المناطق إلى مدن أشباح. ورغم أن الليثيوم لا يمثل محوراً مهماً للاقتصاد التشيلي حاليا – بل النحاس– فإن شركات التعدين تتوسع بقوة في إنتاجه، إذ ترقد تشيلي على كميات هائلة من خام الليثيوم تقدر بحوالي 47 في المئة من الاحتياطيات العالمية تليها الصين بنسبة 20 في المئة ثم أستراليا بنسبة 17 في المئة وانتعش الطلب بقوة على الليثيوم بالتزامن مع ما تشهده صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات من تطور، ومن المتوقع ارتفاع الطلب على الليثيوم بنسبة 12 في المئة على مدار العقدين المقبلين.سباق نحو البديل
ورغم كل هذه التوقعات الواعدة، فإن بعض الدول والجامعات ومعامل الأبحاث حول العالم تسرع الخطى من أجل تطوير بديل لليثيوم ربما يظهر في غضون خمس سنوات لتلبية الطلب المتزايد على هذه السلعة، لكن سيلزم الأمر وقتاً قبل أن يصبح البديل جاهزاً من الناحية التجارية.وفي الماضي، كان الوقت بين لحظة الابتكار والتطبيق التجاري يقاس بعشرات السنين، لكن ربما بمزيد من الجهد في تطوير البطاريات، يمكن أن يصبح البديل جاهزاً بشكل أسرع من التوقعات.ولم تثن هذه التكهنات شهية شركات التعدين عن التوسع في مشروعات إنتاج الليثيوم، فقد أعلنت شركة «تيانشي ليثيوم» الصينية أنها ستصبح ثاني أكبر مساهم في «إس كيو إم» التشيلية بعد صفقة قيمتها 4.1 مليارات دولار.وتستثمر «إس كيو إم» 525 مليون دولار لزيادة إنتاجها من الليثيوم إلى أربعة أضعاف بحلول عام 2021، كما أعلنت «ألبيمارل» عزمها استثمار نصف مليار دولار هذا العام للتوسع في عملياتها في إنتاج الليثيوم في كل من الصين وتشيلي وبدء التعدين في أستراليا.وعموماً، تحتاج صناعة تعدين الليثيوم إلى استثمارات بحوالي عشرة مليارات دولار على مدار العشر سنوات القادمة لتلبية الطلب العالمي المتنامي.ويرى محللون مستقبلاً مشرقاً لتعدين الليثيوم، وعلى ما يبدو، تتركز الاستثمارات في تشيلي على نفس المناطق التي شهدت طفرة النترات في القرن الماضي تشهد مناطق التعدين شاحنات لنقل الليثيوم الخام من الأراضي الملحية إلى منشآت المعالجة بجوار طرق كانت تستخدم قديماً لنقل النترات إلى الموانئ، وقرب مناطق أصبحت مجرد مدن أشباح وذكريات من الماضي.وفي ضوء احتدام السباق نحو تطوير بدائل لمادة الليثيوم، أفاد المؤرخ سيرجيو غونزاليس، أن هناك دائماً مخاطر تحيط بأي بديل محتمل، لكن المشكلة الأكبر تكمن في عدم استثمار ما يكفي في التكنولوجيا لتعزيز الصناعات واكتساب مميزات تنافسية على الآخرين.