يلفت المصور الفوتوغرافي أسامة الشرقاوي إلى أن «المحمودية» إحدى أجمل مدن محافظة البحيرة، وهي شديدة الثراء بمعالمها الطبيعية والتراثية، لكنها غائبة عن عيون مسؤولي السياحة والآثار في مصر، ما حفزه لالتقاط ألبوم كامل لمنازلها الأثرية ومساجدها واكتشاف جمال موقعها الفريد على ضفاف النيل و«ترعة المحمودية»، مؤكداً أن لديه صوراً نادرة لبنايات مندثرة وأخرى أوشكت أن تندثر.

يحتفظ الشرقاوي بصور التقطها بعدسته وأخرى تخص والده الذي ورث عنه أسامة مهنة التصوير، وتوثق الصور تاريخ مدينته مثل النصب التذكاري لترعة حيث دوَّنت قصيدة لشاعر تركي يُدعى «عزت»، يمدح فيها الأمير محمود الذي أمر بشق الترعة، فضلاً عن صور لمعالم تهدّمت بفعل فاعل مثل محطة الكهرباء ذات الطراز الإنكليزي وجسر «سعفان» وجسر «الهاويس» الأثري.

Ad

تعلق الشرقاوي بفن التصوير منذ طفولته، فهو من عائلة احترفت في هذا المجال منذ نصف قرن أو يزيد، وتعلَّمه من خلال آلة تصوير بدائية امتلكها والده، عبارة عن صندوق خشبي تلتصق به عدسة، ومثبت في خلفيته كيس أسود للكروت وأدوات التحميض وتثبيت الصور.

أبيض وأسود

احتكرت عائلة الشرقاوي مجال التصوير في مدينة المحمودية، ولها أكثر من أستوديو يحمل لقبها. بدأت قصتها مع الفوتوغرافيا مع الجد الذي كان يعمل وكيل أعمال قضائية ونقاش أختام، وكان لديه استوديو خاص للتصوير الفوري بكاميرا بدائية، وورَّث مهنته لأولاده وأحفاده.

أسامة ما زال يحتفظ بتلك الآلة التي كانت تجتذب الراغبين في التصوير الفوري «أبيض وأسود»، وكان الزبائن يبحلقون في صورهم للتأكد أنها تشبههم، ويسرعون بها لاستخراج البطاقات أو تقديمها مع أوراقهم إلى المصالح الحكومية.

كانت أول كاميرا حديثة اشتراها والده من ماركة Zenit روسية الصنع، وزنها نحو نصف كيلوغرام من الحديد، لكنها كانت مدرسة لتعليم فن التصوير، وكان الفيلم الأبيض والأسود آنذاك، في حقبة السبعينيات، يباع بنحو 125 قرشاً (مبلغ زهيد جداً وعديم القيمة الآن).

مارس أسامة التصوير في الأفراح والمناسبات العامة، واكتسب مهارات خاصة في التقاط الصور من زوايا أدهشت بعض زبائنه، واعتبرها آخرون نوعاً من «الفذلكة»، وكلما ظهرت كاميرا جديدة، سارع إلى شرائها، ويعتبر أن أفضلها كاميرا «توشكا» الروسية Tochka وما زال يستخدمها حتى الآن.

عشق أسامة تصوير الطبيعة، وتحوَّل من الاحترافية إلى الإبداع، وارتياد فضاء جمالي من خلال عينه المدربة على التقاط الصورة في جزء من الثانية، وتثبيت الزمن عند هذه اللحظة، ودائماً يحمل كاميرته ويبحث عن لقطات استثنائية، خصوصاً في وقتي الشروق والغروب.

عاشق الكاميرا

يؤكد الشرقاوي أن الفنان ابن بيئته، وعليه البحث عن مواطن الجمال، وتوثيق الأماكن الأثرية، فثمة مشاهد وتفاصيل تمر علينا كل يوم، لكن عين الفنان العاشق للكاميرا، تلتقط ما لا يراه الآخرون، ولكل صورة لحظتها الشعورية وتقنيتها المختلفة.

هواية أخرى شغلت الشرقاوي، وشكلت مجموعة من المقتنيات النادرة لأشرطة تسجيل وراديو Philips قديم، وأسطوانات لأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وسيد درويش وغيرهم، وجهاز «بيك آب» لتشغيل الأسطوانات، وتحف وعملات وطوابع بريد وأوانٍ فضية ونحاسية، فضلاً عن ألبوم كامل من الصور لمعالم مصرية يعود تاريخها إلى أكثر من مئة عام.

يقول الشرقاوي إن صور «الأبيض والأسود» تثير الحنين إلى الماضي، وتضع الرائي في قلب المشهد البعيد، وتستعيد حكايات وأصداء حياة بشر كانوا بيننا، بينما التصوير الملون والدخول في عصر «الديجتال» و«الفوتوشوب»، يرتبط بالحاضر أو الماضي القريب، وعلى الفنان أن يجيد التعامل مع التقنيات الحديثة بلمسة إبداعية تميزه عن أي فنان آخر.