كيف نسدد تكاليف مكاسب التعليم في إفريقيا؟

نشر في 06-06-2018
آخر تحديث 06-06-2018 | 00:07
 بروجيكت سنديكيت تمر إفريقيا بأزمة تعليم، وعلى الرغم من التعهدات بتحسين فرص كل الأطفال في الحصول على التعليم بحلول عام 2030، فشلت حكومات إفريقية عديدة في تمويل هذا المكون الطموح في أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، ولا يزال الوقت متاحا لمعالجة عجز التمويل، لكن هذا لن يتسنى إلا من خلال تبني استراتيجيات استثمارية جديدة بقوة.

اليوم، لا يحصل ما يقرب من نصف شبان العالَم، بمن في ذلك نحو 400 مليون فتاة، على التعليم الكافي لتمكينهم من النجاح في مكان العمل في المستقبل، وتتعاظم حدة هذا التحدي في إفريقيا؛ فرغم أن 75% من الفتيات في بلدان جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا يبدأن الدراسة، فإن 8% فقط منهن يكملن التعليم الثانوي، ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا هي الوحيدة حيث لا تلتحق المرأة بالتعليم العالي ولا تتخرج فيه بمعدلات الرجل نفسها.

هذه المشاكل معروفة جيدا، وإن كانت لا تعالج دائما، لكن الأمر الأكثر استغلاقا على الفهم هو ذلك التأثير المتناقض الذي سيخلفه نمو إفريقيا في المستقبل على توافر التمويل للتعليم.

بحلول عام 2030، من المتوقع أن تبلغ 30 دولة في إفريقيا مرتبة الدخل المتوسط الأدنى، التي حددها البنك الدولي بنصيب للفرد في الدخل الوطني الإجمالي يتراوح من 1026 دولارا إلى 4035 دولارا، ومع اقتراب الدول من هذا المستوى من التنمية، تنشأ الحاجة إلى استثمارات جديدة لتغطية تكاليف تحسين الصحة والتعليم، وستكون تعبئة الإيرادات الضريبية المحلية أحد المكونات البالغة الأهمية لاستراتيجيات وضع الموازنات.

ولكن في الوقت الحالي، نستطيع أن نقول إن الإيرادات الضريبية المقدرة في أغلب الدول لن تكون كافية لتغطية التكاليف المرتبطة بتحسين النتائج التعليمية، ونتيجة لهذا تهدد أزمة تمويل التعليم بإحباط الآمال في النمو السريع المطرد والازدهار الدائم.

وستظل الأشكال التقليدية للمساعدات الدولية تؤدي دورا مهما في تطوير قطاع التعليم في إفريقيا، ولكن مع ذلك، ونظرا للزيادات المتوقعة في الدخل الوطني الإجمالي، لن تظل أغلب الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى مؤهلة للمنح والقروض المنخفضة الفائدة أو عديمة الفائدة المتاحة حاليا. ونتيجة لهذا سيعاني الملايين من الشباب في إفريقيا من تأثيرات مفارقة التنمية الدولية: حيث تكون الدول أكثر ازدهارا من أن تتأهل للحصول على أفضل خيارات التمويل، لكنها أكثر فقرا من أن تتمكن من تلبية الاحتياجات التعليمية لمواطنيها بمفردها. لحسن الحظ ساعدت اللجنة الدولية لتمويل فرص التعليم العالمي، حيث أعمل كمفوضة، في إيجاد حل، حيث تهدف هذه المبادرة المبدعة التي تحمل مسمى "المرفق الدولي لتمويل التعليم" إلى مساعدة الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى في الاستثمار في التعليم- وخصوصا البرامج المخصصة للنساء والأطفال- بطرق أكثر استدامة.

من خلال الاستفادة من 2 مليار دولار من ضمانات المانحين، نسعى إلى تسليم نحو 10 مليارات دولار من المنح الدراسية وتمويل التعليم للدول الأكثر احتياجا إليها، لكن الأمر لا يخلو من معضلة: ذلك أن الحكومات الساعية إلى الحصول على هذه الأموال يجب أن تثبت أولا اهتمامها بالإصلاح التعليمي الطويل الأجل والقدرة على تنفيذه. وهذا النهج مصمم لتحسين فعالية المنح وإعطاء الدول الفرصة لتعزيز قدرتها على التكيف اقتصاديا مع قوة عمل أفضل تعليما. وتُظهِر الأبحاث أن كل دولار ينفق على التعليم في الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى يزيد من قدرة الخريجين على الكسب بنحو 4 دولارات. بعبارة أخرى هدفنا الطويل الأجل أعرض من مجرد بناء المدارس أو تدريس الرياضيات؛ فهو يتلخص في خلق الظروف المناسبة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي الدائم. أثبتت استراتيجيات تمويل مماثلة نجاحها في قطاع الرعاية الصحية. على سبيل المثال أنشئ المرفق الدولي لتمويل التحصين لتوفير التمويل لتحالف اللقاحات "جافي". وفي نهاية المطاف، تمكن المرفق من تعبئة المليارات من الدولارات من التمويل الجديد للمساعدة في تلقيح أكثر من 640 مليون طفل وإنقاذ حياة تسعة ملايين إنسان، وكانت العائدات الاقتصادية كبيرة أيضا؛ فقد وجدت دراسة استقصت النتائج في 73 دولة أن كل دولار ينفق على التحصينات يترجم إلى 18 دولارا في هيئة مدخرات مرتبطة بالرعاية الصحية، والواقع أن مرفق تمويل التعليم لديه القدرة على إحداث تأثير مماثل.

الواقع أن ملايين الشباب في مختلف أنحاء العالَم، وخصوصاً الفتيات الشابات في إفريقيا، يفشلون في التفوق لأنهم محرومون حتى الآن من القدرة على الحصول على تعليم جيد، والآن ولم يتبق سوى 12 سنة قبل انتهاء العمل ببرنامج أهداف التنمية المستدامة، لابد أن تنتقل أزمة التعليم في إفريقيا إلى قمة أجندة التنمية، إذ يزعم قادة الحكومات بشكل روتيني أن الأطفال هم مستقبلنا، وإذا كان هذا هو اعتقادهم حقا، فيجب إعطاء برامج مثل المرفق الدولي لتمويل التعليم الأولوية التي تستحقها.

* غراسا ماشيل

* مؤسِّسة غراسا ماشيل ترست، وعضوة لجنة تقدم إفريقيا، وعضوة منظمة الشيوخ.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top