ولادة أسطورة زيدان في مونديال 1998

نشر في 06-06-2018
آخر تحديث 06-06-2018 | 00:03
في 12 يوليو 1998، شهد العالم ولادة أسطورة الفرنسي زين الدين زيدان. صانع الألعاب الفذ الذي منح بكرتين رأسيتين، لقب كأس العالم في كرة القدم لفرنسا على أرضها. وبعد 20 عاما، لم يتوقف الجزائري الأصل عن المفاجأة.

كان استاد دو فرانس على الموعد. نهائي مرتقب بين فرنسا والبرازيل حاملة اللقب. أي عنوان أكبر من هذا لتحقيق المجد؟ بعد بداية مخيبة لكأس العالم وبطاقة حمراء للاعب الحامل الرقم 10 في مباراة ضد السعودية، عرف لاعب يوفنتوس الإيطالي (في حينه) أين يضرب ومتى.

ركلتان ركنيتان، هدفان بالرأس. هدف تأكيد متأخر من إيمانويل بوتي، وها هي فرنسا تفوز 3- صفر، وتحرز اللقب العالمي الأول في تاريخها. كان العالم يعرف مهارة زيدان بين قدميه، إلا أن رأسه كان حكاية مختلفة.

روى النجم الفرنسي لصحيفة "ليكيب" الفرنسية حديث الأيام التي سبقت النهائي مع المدرب المخضرم إيميه جاكيه. قال إن المدرب "ركز في الأيام التي سبقت النهائي على أهمية الركلات الركنية. قال لي: "زيزو، أعرف أن الضربات الرأسية ليست نقطة قوتك، إلا أن هذا البرازيلي بالكاد يبلغ طوله 1:70 م (في إشارة الى الظهير الأيسر روبرتو كارلوس)، الآخر بالكاد أطول بقليل (ليوناردو البالغ طوله 1:75)، لذا أنا أضمن لك، إذا حاولت وكنت مقتنعا بقدرتك، يمكنك أن تحقق أمرا ما".

وأضاف زيدان: "حياتي انقلبت رأسا على عقب بعد تلك المباراة".

معبود الجماهير

في السادسة والعشرين من عمره، تحول زيدان الى معبود للجماهير الفرنسية التي هتفت باسمه على جادة الشانزيليزيه ورفعت صورته على قوس النصر في قلب باريس، وصولا الى المطالبة به رئيسا للجمهورية!

بعد 20 عاما، لا يزال البعض يطالب بزيدان رئيسا بعد نهاية ولاية الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون... إلا أنه في حال شغور منصب مدرب المنتخب الفرنسي من الآن وحتى الانتخابات، فإن تدريب "الديوك" هو المسار المرجح للفرنسي الذي اختار في 31 مايو الماضي، أن يعلن رحيله عن تدريب ريال مدريد الاسباني، بعدما قاده الى إحراز لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة تواليا، ليصبح أول مدرب في التاريخ يحقق إنجازا مماثلا.

اختار "زيزو" الخروج من الباب العريض، كما دخل تاريخ كرة القدم من باب النجومية في نهائي كأس العالم.

منافسه في نهائي دوري الأبطال هذا الموسم، الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول الإنكليزي، قال عنه قبل المباراة إنه "مقاتل". وأضاف أن زيدان كان دائما مقاتلا "نشأ في مرسيليا (جنوب فرنسا)، ولكي تحظى بمسيرة مشابهة يجب أن تكون مقاتلا"، وأن جودته كمدرب هي نفسها جودته كلاعب.

واعتبر كلوب أن اللحظة الوحيدة التي كان ينسى فيها العالم أن زيدان هو مقاتل "هي عندما كان يلعب، لأنه كان أفضل من الجميع".

جعل "يزيد" (الاسم الذي كان يناديه به أقاربه في صغره) كرة القدم تبدو بسيطة، سلسة، سهلة. انساقت الكرة بين قدميه كما يجري النهر في الوادي السحيق، بلا عوائق، بلا كلفة، بمسار مرسوم من أول الملعب الى آخره.

كأس عالم وكرة ذهبية كأفضل لاعب في العالم عام 1998، كأس أوروبا 2000، هدف حاسم من الأجمل في تاريخ المسابقة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2002 مع ريال مدريد... الطفل الكتوم الذي تخفي عيناه بعض الخجل، ابن العائلة المؤلفة من خمسة أولاد، والمتحدر من منطقة القبائل الجزائرية، أحرز معظم الألقاب الفردية الممكنة في مسيرته التي تنقل خلالها بين أندية عدة، بدءا من كاين الى بوردو الفرنسيين، فيوفنتوس وريال.

قيادة منتخب 2006

بعد خيبة الخروج من الدور الأول في مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002 في ظل غيابه عن المباراتين الأوليين بسبب إصابة تعرض لها قبل نحو أسبوع على انطلاق البطولة، عاد زيدان في 2006 حاملا شارة القائد، وعازما على إنهاء مسيرته الكروية بأفضل شكل ممكن: مونديال ألمانيا.

قاد زيدان فرنسا الى النهائي، وقدم خلال البطولة لمحات عبقرية، لاسيما في ربع النهائي ضد البرازيل (1- صفر) عندما راوغ لاعبي السيليساو بطول الملعب وعرضه، وصنع من ضربة حرة، تمريرة حاسمة لهدف تييري هنري.

النطحة الشهيرة

ألا أن الأمور لم تصل الى خواتيمها السعيدة. في المباراة النهائية ضد ايطاليا، وبدلا من أن يرفع زيدان كأس العالم، رفعت في وجهه البطاقة الحمراء بعد "نطحة" شهيرة وجهها الى صدر المدافع الايطالي ماركو ماتيزارتزي، على خلفية ما قال زيدان انها إهانة وجهها الى والدته.

"سامحت" فرنسا زيدان، لاسيما رأس الهرم في حينه رئيس الجمهورية جاك شيراك، الذي أكد له في قصر الإليزيه "إعجاب وعاطفة البلاد كلها" تجاهه.

بعد "انقطاع" لبضعة أعوام عن كرة القدم، عاد "زيزو" المتجدد في عام 2011، وهذه المرة من بوابة الإدارة الرياضية للنادي الذي أنهى في صفوفه مسيرته كلاعب: ريال مدريد الاسباني.

"تدرج" النجم السابق في أرض الملعب، في مسار التأقلم مع الحياة على أطراف العشب الأخضر. قرر أن يخطو نحو التدريب خطوة خطوة: في 2014 أصبح مساعدا لمدرب الفريق الأول "المعلم" الايطالي كارلو أنشيلوتي، ولم يتأخر في حصد النجاح مع تتويج الفريق في نهاية الموسم بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة في تاريخه.

العودة إلى المشهد الرياضي

في 2016، دفع رئيس النادي فلورنتينو بيريز بزيدان الى واجهة المشهد على نحو غير متوقع: مديرا فنيا للفريق الأول، خلفا لرافايل بينيتيز. لم يتأخر الفرنسي في حصد الثمار في رحلة اثبات الجدارة بعد توليه، من دون خبرة تدريب تذكر، مسؤولية أحد أبرز الأندية في العالم وأكثرها تطلبا.

بعد أشهر، قاد ريال الى لقبه الحادي عشر في دوري الأبطال، ولم يتخل عنه منذ ذلك الحين. في أقل من ثلاثة أعوام، صنع زيدان لريال فترة من الأنجح في المسيرة التاريخية للنادي: لقب الدوري، دوري الأبطال 3 مرات، كأس العالم للأندية مرتين.

اختلف زيدان المدرب عن زيدان اللاعب أمام وسائل الاعلام. بات يتقن لعبة الكاميرات والتصريحات، وتوزيع الابتسامات وإمرار الرسائل.

وعلى الرغم من نجاحاته كمدرب، بقي زيدان يلاقي انتقادات بعض الملعقين الذين يعتبرون انه ليس "تكتيكيا" ناجحا.

زميله السابق في المنتخب مارسيل دوسايي يخالف المشككين الرأي. ويقول في تصريحات لوكالة فرانس برس إن زيدان هو على عكس ما يعتقد الجميع "هو انطوائي، إلا أنه متحفز للغاية، طموح للغاية".

ويضيف: "لا أعتقد أن ثمة أحدا يمكنه القول انه لم يفاجأ بمسيرته. يكذب من يقول إنه كان يعرف انه سيحقق نجاحا على هذا المستوى".

back to top