الأردن... و«الأشقاء»!
كان الأخطر على الأردنيين، وهم يواجهون هذه التحديات وهذه الاستحقاقات، أنهم شعروا في لحظة معينة أنهم وحدهم، وأن بعض أشقائهم قد تخلوا عنهم بينما هم في حقيقة الأمر يرابطون في هذا الممر الاستراتيجي الخطير جداً، وخاصة بالنسبة للأشقاء الذين يتصدون للتحدي الإيراني ليس في اليمن فقط بل في منطقة الخليج العربي كلها، وحيث تمكنت إيران، بالتآمر، من إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة التي كانت شملتها بـ"هلالها الطائفي" الذي كانت روجت له، وحققت جزءاً منه في فترة مبكرة ليست بعيدة.والمعروف أن هذا الذي شهده الأردن، الذي كان ولا يزال يشكل الخندق الأمامي لمنطقة الخليج العربي ضد كل محاولات اختراقها، سواء بالإرهابيين أو بالمخدرات أو بالأفكار الضالة والمضللة، هو نتيجة عوامل كثيرة وليس العامل الاقتصادي وحده، إذ إن ما جرى في سورية والعراق، وما يجري في لبنان، وقبل ذلك في فلسطين، أشعرهم بأنهم مهددون، وأنهم وحدهم، فلجأوا إلى هذه "الهبَّة" العفوية التي كان عنوانها "اشتراطات" صندوق النقد الدولي والأوضاع الاقتصادية المتردية.
وهنا فلعل ما عزز الشعور لدى غالبية الأردنيين بأنهم يرابطون في هذه الجبهة الأمامية، وفي هذا الممر الصعب وحدهم، هو أن ضغط الديون المتراكمة عليهم، التي ترافقت مع ضغط صندوق النقد الدولي، وإصدار مشروع قانون الضريبة الأخير، قد أدى إلى هذا "الانفجار" الذي اختلف عن انفجارات سابقة، وأهمها في عام 1989، بأنه جاء عفوياً، ولم تقف وراءه لا جهة داخلية ولا خارجية، اللهم إلا بعض الجيوب الإيرانية الضيقة، وبعض "أتباع" هذا النظام السوري الذي كان قد هدد علناً بنقل ما عنده إلى الأردن... إلى المملكة الأردنية الهاشمية.ويقيناً إن الرد على هذا كله، وما أشعر الأردنيين بأنهم ليسوا وحدهم، هو مبادرة الأشقاء، أي إخوتنا في الجنوب وليس في الشمال، إلى إعلان وقوفهم إلى جانب الأردن وشعب الأردن، ليس بالكلام فقط، وإنما بالمساندة والدعم، وهذا هو ما بادرت إليه المملكة العربية السعودية... الشقيقة الكبرى، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبالطبع الكويت العزيزة التي عودتنا وعودت العرب كلهم على مثل هذه المواقف النبيلة.وحقيقة، وهذا يجب أن نقوله لكل هؤلاء الأشقاء الأعزاء، وأيضاً إلى مصر وأهلها الطيبين، إن الأردنيين قد شعروا في لحظة معينة، وهذه كانت لحظة في غاية الصعوبة، أنهم وحدهم وأنهم متروكون للمرابطة في هذا الممر الصعب، بدون أي إسناد من أشقائهم الأقرب إليهم، لكن ما لبث أن اتضح لهم أن "الدم ما يصير ميَّه"، وأن هذه الدول الشقيقة لن تتخلى عن هذا البلد الذي يشكل خندقها المتقدم، ويشكل شعبه جنود الأمة العربية الذين يرابطون في هذا الخندق دفاعاً عن هذه الأمة، التي تواجه الآن تحديات مصيرية، والدليل هذا الذي يجري في فلسطين وسورية والعراق ولبنان... وأيضاً في ليبيا والمغرب العربي كله.