قدم المطرب الراحل حسين جاسم أجمل الأغنيات وأكثرها رومانسية، مستلهماً من التراث أعذب الألحان، منحازاً إلى فلكلور بلده وفنونه لتقديم أغنيات ترسخ في الذاكرة ولا تمر مرور الكرام. كان يرى أن استلهام التراث يمنح الأغنية أصالة وعمقاً ويجعلها أكثر رسوخاً في وجدان المتلقي، لذلك كان يدقق كثيراً في اختياراته قبل إعطاء الموافقة على أداء أي أغنية أو أي مشروع فني.
جرب الغناء السريع لكنه حرص على النهل من الفلكلور الشعبي، لذا رأى أن استمرار نجاح أغنياته سببه انحيازه إلى تراث بلده. وضمن هذا السياق قال الفنان الراحل: «غنيت أغاني سريعة، لكنها معتمدة على فنون التراث، وهذه التي بقيت في ذاكرة الناس، وما زالت قريبة إليّ، مثل: الفرحة طابت، يا ناعم العود، شدة العربان، يا معيريس... وغيرها من الأغنيات الخفيفة».كان يطرب لأغنيات الشعر الفصيح، والألحان الأصيلة، لأنه ابن مرحلة فنية ثرية بالغناء الأصيل. بدأ حسين جاسم حياته الفنية عام 1967، حينما كانت الساحة تضم الكثير من نجوم الستينيات الذين حققوا شهرة كبيرة في الكويت أو الخليج العربي، لكن إيمانه بموهبته دفعه إلى المضي في اتجاه الغناء، حيث شارك في أوبريت غنائي بعنوان «المنبوذ» على خشبة مسرح معهد المعلمين، وعقب هذه الإطلالة الأولى قدّم أول أغنية له وكانت ابتهالاً بعنوان «يا إله الكون»، وأعقبه «لو قدرت أنسى نسيت» وهي من الفن السامري، ثم توالت الأغنيات والنجاحات.وُلد حسين جاسم في منطقة شرق بمدينة الكويت عام 1944، وحصل على دبلوم معهد المعلمين- شعبة الموسيقى عام 1967، وعمل مدرسا لمادة التربية الموسيقية لأكثر من 20 عاما، وترقى مديراً لإحدى المدارس من 1994 إلى 2002. والراحل عضو في جمعية الفنانين الكويتيين.في عام 1967، بدأ جاسم حياته الفنية، حيث شارك في أوبريت غنائي بعنوان "المنبوذ" على خشبة مسرح معهد المعلمين، ثم انطلق بعد ذلك كمطرب يقدم الأغنية العاطفية والوطنية والدينية التي كان يعشقها، وأول أغنية له كانت ابتهالا بعنوان "يا إله الكون"، من ألحان الفنان الراحل عبدالرؤوف إسماعيل، وأثناء تسجيلها في الاستديو سمع صوته الفنان سعود الراشد، وكان يشغل منصب رئيس قسم الموسيقى، فأثنى على صوته وأدائه الباهر، وطالب باحتضان موهبته.
الفن السامري
ومن هنا بدأ الفنان الراحل يتعرف على الفنانين والتعامل مع مَن لهم باع طويل في هذا المجال، وأول الغيث نص غنائي من الشاعر الراحل خالد العياف بعنوان "لو قدرت أنسى نسيت"، وهي سامرية، ولها نقلات صعبة في المقامات، واستطاع حسين جاسم إبهار الجميع بأدائه.«يا معيريس»
ومن الأعمال الغنائية التي لاقت استحسانا كبيرا آنذاك "حكاية بحار"، المعروفة أيضا بعنوان "احنا والأيام" من كلمات خالد العياف، وهي باكورة التعاون بين حسين جاسم والملحن الموسيقار غنام الديكان، والأخير قدم في مطلعها النهمة، ومطلعا حداديا، و"كوبليها" آخر فيه فن الصوت، وفي النهاية العرضة، نقتطف من كلماتها: "احنا والأيام/ والماضي الأصيل/ والسفر والغوص/ والدرب الطويل".كما غنى جاسم من ألحان الديكان أيضاً "يا معيريس"، وهي من كلمات مبارك الحديبي، التي حققت شهرة واسعة، و"عليك سعيد" كلمات الحديبي، وألحان الديكان، الذي قدم من خلالها المحاولة الأولى لنشر إيقاع وغناء "الدزة" كقالب موسيقي عام 1969.حلفت عمري
وكانت للراحل مجموعة أخرى من الأغنيات الناجحة، لعل أهمها "حلفت عمري" للشاعر والممثل الراحل ماجد سلطان، وألحان يوسف المهنا، رغم أنها أطلقت قبل 33 عاما، لكنها لا تزال مسموعة حتى اليوم، وقد صوِّرت بالألوان بعد تحرير الكويت، كي يشاهدها الجمهور عبر الشاشة الصغيرة. و"أبوالموقة" كلمات الإعلامي والشاعر الراحل جاسم شهاب، وألحان الراحل عبدالرحمن البعيجان.أيا غالي يابو الموقه/ نسيت الحب وحقوقهنسيت العهد والإيمان/ وقلبي زايد بشوقهسحرت القلب بعيونك/ شغلت الفكر بفنونكوكل الناس يحبونك/ علامك طالع بسوقهأنا مدري شْجرى مني/ تولعني وتصد عنيتجافيني ولا كني/ أحب وروحي محروقههلي والناس يلوموني/ واصبر قلبي وعيونيعسى خلي ومظنوني/ يخلي عنه الموقه«شمعة الجلاس»
وقد حققت الأغنية نجاحاً، مما دفع حسين جاسم إلى تكرار تعاونه مع الشاعر جاسم الشهاب في أغنية "حبيبي شمعة الجلاس"، من ألحان الفنان مرزوق المرزوق.وثمة أغنية جميلة بعنوان "واحة الجهراء فيها يشفى العليل" كلمات علي الربعي، وألحان أحمد البابطين، و"توني عرفتك زين"، كلمات مبارك الحديبي، وألحان عبدالرحمن البعيجان، و"شوصف فيك" و"اذكرني مرة" كلمات الشاعر الراحل خليفة العبدالله، وألحان البعيجان، و"الفرحة طابت" كلمات يوسف ناصر، وألحان البعيجان، وأغنية "يا ناعم العود". يا ناعم العود.. يا سيد الملاحيا ناعس الطرف.. ارحم حالتيليت للغرام حاكم.. والله لاشتكييا قمر عيد.. يا نور الصباحانظر.. وتكفيك مني نظرتيليت للغرام حاكم.. والله لاشتكيقلبي عليلٍ بطعنات الرماحمحروم وطالت لاجلك حسرتيليت للغرام حاكم.. والله لاشتكيأبو خدودٍ يحلاها الوشاح ليت للغرام حاكم.. والله لاشتكيحضور إعلامي
لم يكن الراحل كثير الحضور الإعلامي عبر الإذاعة أو التلفزيون أو الوسائل الأخرى، بل اشتهر بقلة إطلالاته الإعلامية، وكان قليل الكلام وإن تحدث أصاب، وكان يركز على الجودة في أعماله، وكذلك يشدد على أهميتها في تصريحاته، فكان يحرص على تكامل العناصر في الأغنية، وينتقي أعماله النابعة من التراث، وكان يقول ضمن هذا الصدد: "غنيت أغاني سريعة، لكنها معتمدة على فنون التراث، وهذه التي بقيت في ذاكرة الناس، ومازالت قريبة إليّ، مثل: الفرحة طابت، يا ناعم العود، شدة العربان، يا معيريس... وغيرها من الأغنيات الخفيفة".ومن أبرز تصريحاته:" أنا على استعداد دائما، وفي أي وقت للمشاركة في المناسبات الوطنية، وقد قمت بذلك وغنيت للوطن والأسرى".• "هناك أغنيات شبابية جميلة جداً يطرب لها من يسمعها، وثمة أغنيات خفيفة تمر وتختفي".• "أطرب إلى الأغنيات المغنّاة بالشعر الفصيح، والألحان الأصيلة الباقية، ربما لأنني غنيت في مرحلة فنية ثرية بالغناء الأصيل القوي، ومازلت أطرب لأغنيات تلك المرحلة".• "ثمة أغنيات جديدة عدة تظهر هنا وهناك يوميا من بعض الفنانين الشباب، لكنها تتلاشى بسرعة بسبب ضعف معانيها وألحانها، لذلك أتحاشى مثل تلك الأعمال، وأتبع أسلوباً خاصاً في الاختيار للحفاظ على الأصالة".• "عندما أجد لحناً وطنياً أو دينياً جيداً يمكنني أن أفكر فيه، لكن رغبتي الحقيقية هي التعامل مع القدماء".• "أفضّل الأغنية ذات الإيقاع الهادئ، ولا أرغب في الإيقاع السريع، وأحب الأغنية الجيدة لحناً وإيقاعا وكلمات".• "سابقا لم يكن هناك في المدارس أي نشاط كالمسابقات مثلا، أما الآن فالأمور تغيرت وأصبحت المسابقات موجودة على مستوى المناطق، وذلك يشجع على فرض المقطوعات والأناشيد التي يشدو بها الطلبة وتغرس في نفوسهم القيم، كحب الوطن والوالدين، وهذا في حد ذاته تطوّر وانتقال".• "أغنية الطفل التي تقدَّم الآن يغلب عليها جانب التسلية وأهدافها غير واضحة، ومن الواجب على من يعد أغنية للأطفال أن يتعايش مع مرحلة الطفولة، كي يخرج بعمل يمتع الطفل وينمّي أحاسيسه، وهذا مع الأسف غير موجود، إضافة الى أن الأداء يجب أن يكون بصوت الأطفال كي يتعايشوا معه وليس بصوت الكبار".• "أنصح الفنان بالزواج، لأنه إذا وفِّق بزوجة مثالية ستضفي على حياته جوا يجعله معطاء لفنه. مع الأسف أن البعض يظن أن زواج الفنان معناه ضياع جمهوره".«شوصف فيك»
من أغنياته الجميلة "شوصف فيك"، وهي من كلمات الشيخ خليفة العبدالله، وألحان عبدالرحمن البعيجان، وتقول:شوصف فيك شخللي منك / طيبة قلبك وضحكة سنكوالا شعرك يا حبيبي / اللي غطى كل ما منكقلبي غنى في جمالك / أتغزل في هواكما هتف بسم بدالك / أو تناساك ونساكأنت أيامي الجميلة / من أشوفك زال هميوارفع إيدي للإله / اطلبه يخليك يمّيما تفرقنا الوشاة / أنت أيامي الجميلةتوقف عن الغناء
أعلن جاسم عام 1974 توقفه عن الغناء نهائيا، بعدما أثرى المكتبة الموسيقية والغنائية بأجمل الأغنيات، وأرجع ذلك إلى أسباب كثيرة، منها: اللحن الرخيص، والكلمة المبتذلة، وعدم وجود الملحن الذي يفهمه جيدا. وكان آخر لحن سجله في إذاعة الكويت قبل اعتزاله أغنية بعنوان "خلي حسين"، من ألحان عبدالرحمن البعيجان.شادي الخليج: كان مربياً فاضلاً لم يدخر وسعاً في خدمة التعليم
ارتبط رئيس جمعية الفنانين الكويتيين الفنان عبدالعزيز المفرج الملقب بـ "شادي الخليج" بعلاقة متميزة بالفنان الراحل حسين جاسم، وقال إن الراحل يعد أحد أبرز الأصوات الكويتية في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فقد حباه الله جمال المظهر وعذوبة الصوت، علاوة على الخلق الدمث.وتحدث المفرج عن الجانب التربوي في حياة الراحل، مشيرا إلى أنه عرفه خلال عمله في وزارة التربية، فقد كان مدرساً لمادة التربية الموسيقية، وكان من خيرة المعلمين، وقد تدرج في المناصب إلى أن أصبح مديراً نظرا لتميزه وتفانيه في العمل.واستطرد في الحديث عن النظام والدقة اللذين انتهجهما الراحل في عمله، موضحاً: حينما كنت أزور المدرسة التي يعمل بها، كنت أشعر برغبة جامحة في المكوث فيها أكثر وقت ممكن، بسبب جمال المدرسة ومرافقها وفصولها، علاوة على النظام والدقة والانضباط في الفصول وغرف المدرسين والإدارة، فكل هذه الأمور كانت تحسب له، فهو كان مربياً فاضلاً لم يدخر وسعاً في خدمة التعليم أثناء عمله، ونظرا لمكانته المرموقة كانت وزارة التربية ترشحه لبعض المهمات الجسيمة.وتذكر المفرج التفاني في العمل والقدرة على مجابهة الصعاب وتقديم الإنجاز، قائلا: "بوعلي لم تثنه يوماً جسامة المهمة أو صعوبتها، بل كان يمسك بزمام الأمور هادفاً إلى إنارة الطريق للآخرين، متجشماً عناء المشقة وبعد المسافة، وأذكر أنه في إحدى المرات رشحه المسؤولون في وزارة التربية إلى إدارة إحدى المدارس في منطقة الجهراء التعليمية، بسبب صعوبتها وعدم تمكن الآخرين من حسن إدارتها، فكان هو مثالاً للالتزام، فقبل المهمة عن طيب خاطر، وكان بإمكانه الاعتذار، لكن الرغبة في تحقيق الإنجاز الصعب كانت أقوى، فقد قبل التحدي وأثبت أن المربي الفاضل لا يخشى بعد المسافة، حيث إن المدرسة الجديدة بعيدة عن بيته، فكان يقطع العديد من الكيلومترات لبلوغ الهدف الأسمى في توفير بيئة تربوية للنشء".