«احتياطي الأجيال» و«التأمينات»... ليس كل سكوت من ذهب
• هيئة الاستثمار نفت «المعلومات المغلوطة» عن أداء الصندوق السيادي... ولم تصححها!
• «التأمينات» لم توضح موقفها من «أبراج» المتعثرة عن سداد 100 مليون دولار
مؤسسات مهمة مثل الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية عليها أن تكون على قدر أكبر من الشفافية في التعامل مع الأخبار والمعلومات الخاصة بالصندوق السيادي وأموال المتقاعدين في عالم يستهدف يومياً المزيد من إجراءات الشفافية والإفصاح وسهولة نشر المعلومات.
ارتبكت الإدارة المالية للدولة الأسبوع الماضي في التعامل مع حدثين مهمين يمسان مؤسستين ماليتين مهمتين جداً، أولاهما الهيئة العامة للاستثمار المعنية بالأصول السيادية من خلال صندوقي احتياطي الأجيال والاحتياطي العام، والثانية مؤسسة التأمينات الاجتماعية المديرة لأموال المتقاعدين... إذ تم التعامل معهما على حساسيتهما، وفقاً لقاعدة «السكوت من ذهب»، حتى وإن لم تنطبق القاعدة على المسألتين.فرغم أن الهيئة العامة للاستثمار ردت على ما ورد في تقرير منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية الذي يرصد أصول 750 مؤسسة استثمارية كالبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية وصناديق معاشات تقاعد، والذي أشار إلى أن الهيئة خسرت مركزها بين العشرة الأوائل، لتتراجع إلى المرتبة الحادية عشرة مع انخفاض الأصول 11 في المئة أو 68 مليار دولار، فإن الرد اتركز على نفي الأرقام «المغلوطة» بأن «الاحتياطيات في أفضل أحوالها منذ إنشاء الهيئة، وليس هناك أي انخفاض، وأنه لا يجوز ضرب السياسة الاقتصادية للدولة والتأثير على سمعة الصندوق السيادي عبر نشر معلومات غير صحيحة»، ومن ثم لم يقدم بيان الهيئة أي أرقام عن الأداء لا من حيث القيمة، ولا حتى النسبة، إذ إنها تمتنع دائماً عن تقديم الأرقام الصحيحة عن أداء الصندوق السيادي.
سلوك مكرر
وهذه ليست المرة الأولى التي تنفي الهيئة العامة للاستثمار تقارير مؤسسات التقييم الدولية، إذ بات هذا النفي سلوكاً مكرراً مع كل تقييم سنوي لأداء الصناديق السيادية في العالم، فالكويت على عكس صناديق سيادية أخرى كالنرويج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتشيلي والصين لا تعلن تفاصيل أداء صندوقها السيادي، ومن ثم تكون التكهنات والتوقعات هي أساس البيانات المتداولة عن الصندوق لا المعلومات الرسمية. وتحصل الهيئة في مؤشر لينابورغ ماديول، الذي يقيس درجة شفافية الصناديق السيادية، على 6 نقاط من أصل 10 في معايير قياس الصندوق، في حين أن المطلوب على الأقل 8 نقاط للحديث عن مستوى شفافية مقبول عالمياً.وحتى التطور البسيط الذي حدث العام الماضي المتمثل في كشف الهيئة عن العائد على إجمالي الأصول المدارة، والذي بلغ حينها 0.2 في المئة، مما يعطي مؤشراً ولو أوليا إلى إجمالي الأصول، تم التراجع عنه هذا العام، مكتفية بنفي الخسائر، والتأكيد على جودة الأداء ولكن دون أرقام تدعم بيانها.فوائد الشفافية
ولكشف معلومات الصندوق السيادي فوائد عديدة، أقلها أنه يعطي أكثر من رأي متخصص في تقييم عمليات الصندوق وجودة الاستثمارات فيه، وكفاءة الأداء وسلامة النتائج، وقراءة مستويات المخاطرة، ومن ثم فإن التقييم من أطراف حيادية ومستقلة يعطي جودة أكثر في الأداء، وخصوصاً فيما يتعلق بأثر الاستثمارات الكويتية في الولايات المتحدة، مركز الأزمة العالمية، أو أوروبا التي لا تزال تعاني لتجاوز أزماتها الاقتصادية، أو مثلا في دول الربيع العربي التي تغيرت خريطة الاستثمار فيها رأسا على عقب، كما أنه يمكّن من فهم التغيرات العالمية في أداء الأسواق، فالنرويج مثلا تعمل أخيرا لخفض وزن استثمارات صندوقها السيادي في أسهم النفط والغاز التي تمثل الآن 6 في المئة أو نحو 37 مليار دولار من مؤشر الأسهم القياسي للصندوق، لأنها تعتبر هذا القطاع أقل قيمة ونمواً من السابق.وفضلاً عن ضعف الشفافية في الصناديق السيادية، فإن ذلك يمكن أن يعيد حملات دولية على أي دولة لم تلتزم بالمعايير الخاصة بشفافية صناديقها التي تدير مئات المليارات من الدولارات، وخصوصاً مع تنامي الاتهامات بوجود معايير سياسية لا استثمارية تتحكم في اتجاهات صناديق الاستثمار التي تأتي في مقدمتها الصناديق السيادية الخليجية بالدرجة الأولى، وبالنسبة إلى الكويت تحديداً فإن الشفافية والإفصاح يجنبان تكرار الذكريات الأليمة للصندوق السيادي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما حدث من تجاوزات وعمولات وخسائر تتعلق بصفقات شركتي سنتافي وتوراس وغيرهما.«أبراج» و«التأمينات»
وإذا كانت الهيئة العامة للاستثمار ردت بالنفي دون تفصيل، فإن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لاذت بالصمت التام تجاه إعلان صحيفة «وول ستريت جورنال» تعثر مجموعة أبراج الإماراتية عن سداد قرض بـ 100 مليون دينار لمصلحتها إلى جانب فوائد بـ 7 ملايين دولار يوم الأحد الماضي، وأن «التامينات» طالبت بتصفية أصول «أبراج» لتسديد مستحقات الدائنين... ولعل هذا الخبر- مع الصمت عن التعقيب عليه- يفتح تساؤلات عدة ومنها: كيف تتعامل مؤسسة مهمة بحجم التأمينات مع شركة مشبوهة غارقة في المشاكل والقضايا مثل «أبراج»، ولديها شبهات احتيال مع عدد من الأطراف، وحتى مع الملياردير الأميركي بيل غيتس وزوجته؟ وهل تساهم التأمينات الاجتماعية أصلا في رأسمال «أبراج» ومنذ متى؟ وما معايير الاستثمار والإقراض لمؤسسة التأمينات مع الغير، ومدى اتساقها مع قواعد ملاءة العملاء وجودتهم وسمعتهم إذا كانت «أبراج» واحدة من عملائها واستثماراتها؟ فـ»التأمينات» خاضت أخيرا مواجهة مع عدد كبير من نواب مجلس الأمة تجاه قانون التقاعد الجديد المعروف بـ «التقاعد المبكر»، وهي مواجهة مستحقة لحماية أموال المتقاعدين على المدى الطويل، غير أن الصمت عن مسألة تعثر «أبراج» في سداد قرضها للتأمينات يضعف موقف التأمينات في أي مواجهة مع النواب الشعبويين، ومن ثم يجعلها تخضع للعديد من المطالب، التي لا تقتنع بها، لأن لديها من الاختلالات ما يصلح ليكون بابا للضغط السياسي عليها.في عالم يستهدف يومياً المزيد من إجراءات الشفافية والإفصاح وسهولة نشر المعلومات فإن إدارة أصول وثروات الأجيال القادمة أو أموال المتقاعدين تتطلب قدراً من الوضوح، ومن المعيب أن يقرأ الكويتيون أخباراً ومعلومات صندوقهم السيادي المرتبط بمستقبل أجيالهم أو صندوق معاشاتهم التقاعدية من الصحف والمؤسسات العالمية، في حين تمتنع الهيئات الرسمية عن تقديم معلومات رسمية مفيدة... فالصمت أو شبه الصمت عن تفاصيلهما ليس بالضرورة في كل مرة أن يكون من ذهب!معالجة الاحتياطي العام بترشيد نفقاته... لا الاقتراض
كان تصريح وزير المالية د. نايف الحجرف هذا الاسبوع عن مخاطر نفاد الاحتياطي العام لافتا من حيث تحديد الفترة الزمنية للنفاد ما بين عامين الى 10 سنوات، وكذلك من ناحية الكشف عن قيمة حجم الاحتياطي العام في السنة المالية 2017 -2018 البالغة 26.4 مليار دينار، أي نصف قيمته تقريبا، مقارنة بالسنة المالية 2012 -2013!فعلة الاحتياطي العام هي أنه يمول الانفاق خارج الميزانية كتغطية النفقات العسكرية وحصص الدولة من رساميل شركات حكومية أو هيئات محلية أو دولية، ومؤسسة الرعاية السكنية وبنك الائتمان وصندوق الأسرة، وتغطية العجز الاكتواري للتأمينات الاجتماعية، وهذه مصروفات لا تظهر في أبواب الميزانية العامة للدولة، لأنها تندرج ضمن السحب او الاقتراض من الاحتياطي العام، مما يجعل مصروفات ميزانية الكويت خلال السنوات الأخيرة أكبر من حجمها المعلن بمتوسط يصل إلى 30 في المئة، ويعجل بنفاد الاحتياطي العام، وخصوصا ان كثيرا من اوجه الانفاق خارج الميزانية يمكن اعادة ضبطها او خفضها او حتى الاستغناء عن جزء منها كالمصروفات العسكرية... او تقديم حلول اقتصادية تخفض الانفاق على بعضها الاخر المتعلق بالرعاية السكنية وبنك الائتمان والتأمينات الاجتماعية.غير أن اعتبار أن اقرار مشروع القانون بالإذن للحكومة بالاقتراض سيوفر سيولة لتمويل الاحتياطي العام يمثل خطورة عالية في المستقبل، لأن الاقتراض لتمويل الميزانية او الاحتياطي العام لتمويل النفقات خارج الميزانية يعني ان ادارة ملف الدين السيادي سيكون بمستوى اخفاق ملف إدارة سنوات الفوائض المالية، فالدين السيادي ليس مصيبة، والعجز في الميزانية ليس مشكلة كبيرة، لكن القلق من أن تكون اموالا لاقتراض تنفق على مصروفات لا تعطي الاقتصاد اي قيمة مضافة، وخصوصا ان مشاريع الدولة الخاصة بالتنمية كوثيقة استدامة لا تخلو من التواضع ومحدودية الاهداف. إدارة الديون السيادية بنفس بطريقة الادارة الحكومية التقليدية دون وجود إيرادات وسياسات خارج عقلية الارتهان للنفط ربما تجعلها تتراكم فتتطور الحالة من مشكلة عجز مالي سنوي يمكن السيطرة عليه إلى أزمة دين عام لا يتمنى احد الوقوع فيها.