الأغلبية الصامتة: من يعقلها؟
الهويات الفرعية انفلتت من عقالها ولن "يعقلها" من يرعاها، والعلاج يزداد بعدا لأن "السستم" منشغل بالأمور الآنية وغير مدرك للتصدعات التي تضرب الأرض التي يقف عليها، لا تحملوا إدارة جامعة الكويت فوق طاقتها، فهي تأتي كآخر مرحلة تعليمية في حياة الطالب، وتتسلم الطلبة على علاتهم المعرفية في سن يصعب فيها تصليح ما أفسده فيهم البيت والمجتمع.
في زمن مضى عملت أول ما عملت في الصحافة في تغطية أخبار الجامعة، وتوليت مسؤولية الصفحات الطلابية في جريدة "السياسة" و"آفاق الجامعية"، كنت طالبا وصحافيا في الوقت نفسه، لحقت على صراع الفكر والأيديولوجيا في آخر سنة قبل الغزو العراقي، ثم عاصرت تنامي النزعة المحلية منذ التحرير، وأعني بها تبدل المزاج الكويتي من الاندفاع في تبني القضايا العربية إلى الانغماس في الشأن المحلي، والسبب المباشر في ذلك يعود إلى تخاذل بعض الدول العربية في مناصرة الكويت واصطفافهم مع نظام صدام حسين.ومنذ 26 فبراير 1991 حتى اليوم شهدت الكويت أحداثا وتقلبات لا حصر لها، تصارعت فيها قوى الفساد مع الأصوات المناهضة لها والحصيلة في الغالب تصب في خانة التفكك الاجتماعي وضمور دولة المؤسسات والقانون، جامعة الكويت تأثرت بطبيعة الحال بما يحصل خارج أسوارها والقوائم الطلابية التي تبنت أفكارا وبرامج تتجاوز حدود الكويت قبل الغزو اضطرت لتخفيف الكثير من بنودها، وزيادة بنود المطالب المتعلقة بالكويت التي خرجت للتو من محنة هي الأكبر في تاريخها، يستثنى من ذلك القضايا التي صبغت بالصبغة الدينية مثل حرب الإبادة التي اشتعلت في البوسنة والهرسك، ووجدت لها حضورا داخل أروقة الجامعة.
لم تكن الهويات الفرعية غائبة عن الساحة الطلابية لكنها كامنة داخل القوائم بشكل عام، وحصصها داخل بعض القوائم الدينية تظهر بشكل واضح خلال العملية الانتخابية، بمعنى آخر كانت القوائم المؤدلجة حتى أواخر التسعينيات قادرة على كبح جماح الهويات الفرعية تحت مظلة ما تتبناه من أفكار دون التزام قسري بذلك الفكر، وهذا الوضع يفهمه جيدا من درس في جامعة الكويت، حيث تؤدي العلاقات الشخصية والاجتماعية دورا كبيرا في تصويتات غير منطقية وغير مفهومة.التصويت للقوائم يعني الالتزام بكل المرشحين بوضع دائرة على اسم القائمة، والمفرق يعني أن الناخب وزع أصواته على بقية القوائم أو اختار اسما وترك الباقي، الأصوات المتفرقة هي التي كشفت المستور، يقف أحد الطلاب وورقة التصويت أمامه فلا يختار غير أقربائه دون أن يلتقيهم ولو لمرة واحدة، وعندما تعلن النتائج نجد أن بعض المرشحين بسبب الأصوات المتفرقة أخذوا أكثر من أصوات القائمة التي نزلوا باسمها!! منذ ذلك اليوم عرفت أن الأمور تتجه إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا أن الجامعة تتأثر كثيرا بما يدور في المجتمع وعندما "يفعلها" الكبار في البرلمان والبيت والشارع وكل مكان، وعندما تبارك الدولة نقائضها من أنشطة وفعاليات تعزز الوجود السياسي لكيانات اجتماعية وطائفية فما الذي ننتظره من الأبناء والوضع يسير بهذا الاتجاه؟افهموا، الهويات الفرعية انفلتت من عقالها ولن "يعقلها" من يرعاها، والعلاج يزداد بعدا لأن "السستم" منشغل بالأمور الآنية وغير مدرك للتصدعات التي تضرب الأرض التي يقف عليها، لا تحملوا إدارة جامعة الكويت فوق طاقتها، فهي تأتي كآخر مرحلة تعليمية في حياة الطالب، وتتسلم الطلبة على علاتهم المعرفية في سن يصعب فيها تصليح ما أفسده فيهم البيت والمجتمع.