ألمانيا وروسيا تزدادان تقارباً وإليك الدليل
كتب لايل غولدشتاين أخيراً مقالاً عن اختلال علاقات ألمانيا بالولايات المتحدة والأهم من ذلك بروسيا، ويبدو أن مصدر غولدشتاين الوحيد عن روسيا مقابلة واحدة أجرتها وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين مع محطة "رين" التلفزيونية، ولكن بما أن فون دير لاين كانت تفكر في الترشح لتخلف ينس ستولتنبرغ في منصب أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو) وبما أنها تأتي من جناح الاتحاد الديمقراطي المسيحي الأكثر تعصباً لحقوق المرأة، تميل إلى تبني علاقات أكثر عدائية مع روسيا مقارنةً بوزراء ألمانيا العاديين.أصاب غولدشتاين عندما ذكر أن العلاقات الألمانية-الروسية شهدت تراجعاً حاداً عقب الأزمة والحرب في أوكرانيا في عام 2014، إلا أن الروابط بين البلدين عادت ببطء إلى طبيعتها خلال السنتين الماضيتين، صحيح أن ألمانيا تسلمت قيادة كتيبة قوات الشمال الشرقي المتعددة الجنسيات التابعة للناتو في ليتوانيا، إلا أن ألمانيا تحولت مذاك إلى بصيص الأمل للجهود الدبلوماسية الروسية في دول الناتو الأوروبية.لعل المثال الأكثر وضوحاً لهذا الواقع ملحمة خط أنابيب "سيل الشمال 2" المتواصلة، التي تروي قصة التوسيع المقترح لخط الغاز الروسي-الألماني المباشر في بحر البلطيق الذي يتفادى دولتَي بولندا وأوكرانيا المعاديتين لروسيا. شهدت معارضة توسيع هذا الخط في أوروبا الوسطى والشرقية، حتى الدنمارك، تفاقماً كبيراً، مما دفع لافروف إلى التشكي رسمياً في أكتوبر عام 2017 من التدخل السياسي في المشروع. كذلك أدت هذه المعارضة إلى خفض شركة غازبروم تمويلها لمشروع "سيل الشمال 2" في تلك السنة عينها.
ولكن رغم جهود دول البلطيق وأوكرانيا هذه لوقف هذا الخط، تواصل ألمانيا دعمها له مع إنتاج الشركات الألمانية المعدات لهذا المشروع، كذلك كانت الدبلوماسية الألمانية-الروسية ناشطةً جداً حتى هذه الفترة من عام 2018. على سبيل المثال، من بين أعضاء الناتو كافةً تفوقت فرنسا وتركيا فقط على ألمانيا في مقدار المحادثات الرسمية التي أجرتها مع حكومة روسيا الاتحادية، ولا شك أن حجم المشاورات الألمانية-الروسية كان سيكون أكبر لولا المحادثات المتواصلة التي شهدتها ألمانيا في مطلع السنة لتشكيل حكومة، خصوصا دبلوماسية ماكرون الناشطة، واستراتيجية أردوغان التي تزداد استقلالاً في تركيا، وهكذا جاء تفاعل ألمانيا مع روسيا هذه السنة أعلى حتى من دولة صربيا المحايدة الموالية تاريخياً لروسيا.بعد ثلاثة أيام من زيارة ألتماير موسكو في 18 مايو، زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بوتين في سوتشي، بعد يوم من استقباله الرئيس السوري بشار الأسد، وإذا أضفنا إلى ذلك اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره الألماني هيكو ماس في موسكو في 10 مايو، نحصل على ثلاثة لقاءات ألمانية-روسية رفيعة الشأن في غضون تسعة أيام، ولا شك أن هذا مسعى ممتاز. علاوة على ذلك اعتادت وسائل الإعلام الروسية وصف العلاقات الألمانية-الروسية بعلاقات "مرحلة النهضة" في أعقاب هذه القمم، مع أن لافروف يدعي رسميا أن العلاقات بين البلدين لم تسؤ يوماً، وفي المؤتمر الصحافي الذي تلا لقاء ميركل وبوتين، وصفت المستشارة الألمانية "سيل الشمال 2" بمشروع قيد الإنجاز ستؤدي فيه ألمانيا "دوراً فاعلاً" وستقدّم "مساعدة"، رغم التساؤلات المتواصلة عن صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا في حال مضى هذا المشروع قدماً. علاوة على ذلك يبدو أن تعطل الدبلوماسية الروسية في أوروبا، الذي شهدناه عقب اندلاع أزمة أوكرانيا في عام 2014، يدخل فصلاً جديداً على أقل تقدير، إن لم نقل إنه بلغ نهايته الكاملة، ويشكّل هذا إشارة بارزة إلى استقرار موازنة روسيا، التي انتعشت مجدداً في عام 2017 مع ازدهار الاقتصاد العالمي، كذلك استقرت أزمة روسيا الديمغرافية. وأخيراً، مع أن نظام العقوبات الأوروبية استمر فترة أطول مما توقع الجميع، يبدو أن حكومة مؤيدة لروسيا في طريقها لاستلام السلطة في إيطاليا.منذ تدريبات زاباد-2017 (الغرب-2017) بين روسيا وروسيا البيضاء في شهر سبتمبر 2017، هذه التدريبات التي أخافت بعض أعضاء الناتو، نفذت روسيا عملاً عسكرياً مشتركاً واحداً مع دولة واحدة من دول الناتو، ونفذت هذا التدريب المشترك مع ألمانيا خلال زاباد-2017، فقد عملت ألمانيا وروسيا معاً للبحث عن رفات جنود من الحرب العالمية الثانية في 15 سبتمبر، وسيلي هذا الجهد تعاون آخر خلال تدريبات بارنت-2018 البحرية المشتركة بين روسيا والنرويج، التي أجريت في البحر المتجمد الشمالي في وقت لاحق من شهر مايو الماضي.لا تزال روسيا معزولة تاريخياً عن أوروبا وفق معايير ما بعد الحقبة السوفياتية، وخصوصاً عقب محاولة اغتيال العميل المزدوج سكريبال، ولكن لا يمكننا أن ننكر أن روسيا تخرج من عزلتها وأن علاقتها بألمانيا تُعتبر الأفضل، مقارنة بدول الناتو الأخرى باستثناء تركيا المتمردة.* نيكولاس ج. مايرز*«ناشيونال إنترست»