رجاء بن حيوه... مستشار الخلفاء
عالم وفقيه ومهندس ومستشار الخلفاء وتابعي من أفاضل التابعين، وكان هو الذي أشار على الخليفة سليمان بن عبد الملك بتولية عمر بن عبدالعزيز خلفاً له، وتكفيه هذه وحدها في موازين حسناته. لما أشرف الخليفة سليمان بن عبدالملك على نهاية حياته دخل عليه رجاء ابن حيوه فوجده يكتب كتابا، يعهد به إلى ابنه أيوب بالخلافة من بعده، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن مما يحفظ الخليفة في قبره، ويبرئ ذمته عند ربه، أن يستخلف على الناس الرجل الصالح، وإن ابنك أيوب غلام لم يبلغ الحلم بعد، ولم يتبين صلاحه من طلاحه. فتراجع، ومكث بعد ذلك يوما أو يومين ثم دعا ابن حيوه، وقال: يا رجاء، ما رأيك في ولدي داود؟ فقال: هو غائب مع جيوش المسلمين في قسطنطينية، وأنت لا تدري الآن أحي هو أم ميت. فقال: فمن ترى إذن يا رجاء؟ قال: الرأي رأي أمير المؤمنين. فقال: كيف ترى عمر بن عبدالعزيز؟ قال: واللهِ يا أمير المؤمنين ما علمته إلا فاضلاً كاملاً عاقلاً بيّناً. قال: صدقت، إنه والله لكذلك، ولكنني إن وليته، وأغفلت أولاد عبدالملك لتكونن فتنة، ولا يتركونه يلي عليهم أبدا. قال: أشرك معه واحدا منهم، واجعله بعده. قال: والله لقد أصبت، فإن ذلك مما يسكنهم، ويجعلهم يرضونه، ثم أخذ الكتاب، وكتب بيده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبدالله سليمان بن عبدالملك أمير المؤمنين لعمر بن عبدالعزيز، أني وليته الخلافة من بعدي، وجعلتها من بعده ليزيد بن عبدالملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله، ولا تختلفوا فيطمع بكم الطامعون، ثم ختم الكتاب، وناوله إياه، ثم أرسل إلى كعب بن حازم صاحب الشرطة، وقال: ادع آل بيتي فليجتمعوا، وأعلمهم أن الكتاب الذي في يد رجاء هو كتابي، ومرهم أن يبايعوا لمن فيه.
فلما وافته المنية خرج ابن حيوه إلى الناس، قالوا: كيف أمير المؤمنين؟ قال: لم يكن منذ مرض أسكن منه الآن، ولا أهدأ. فقالوا: الحمد لله. ثم أرسل رجاء إلى كعب بن حازم صاحب الشرطة، فجمع أهل بيت أمير المؤمنين جميعا في مسجد دابق، فقال: بايعوا لمن في كتاب أمير المؤمنين، قالوا: قد بايعنا مرة أنبايع أخرى مرة ثانية؟ فقال: هذا أمر أمير المؤمنين، بايعوا على ما أمر به، ولمَن سمى في هذا الكتاب المختوم، فبايعوا رجلا رجلا، فلما رأى رجاء أنه قد أحكم الأمر، قال: إن صاحبَكم قد مات، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وقرأ عليهم الكتاب، فلما انتهى إلى ذكر عمر بن عبدالعزيز، نادي هشام بن عبدالملك: لا نبايعه أبدا، فقال رجاء: إذا والله تضرب عنقك، فقام يجر رجليه، وقال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون، وكان يسترجع لمصير الخلافة إليه على كره منه.لو لم يكن لرجاء بن حيوه في حياته غير موقفه هذا الذي أشار فيه على الخليفة سليمان بن عبدالملك بتولية عمر بن عبدالعزيز لكفاه.