احتجاجات الأردن انعكاس لأزمات الخارج
الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن أردنية مؤخرا هي انعكاس لأزمات إقليمية على الداخل الأردني، وهنا أقصد أزمة اللاجئين السوريين أو الوضع القائم في الجنوب السوري، كذلك كل ما يدور حول "خيالات" صفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية.يقع الأردن، بل وُلِد، في منطقة تحمل بذور الانقسام والصراع والتوتر، بل يمكن القول إن الحفاظ على الأردن كان أحد العناصر المهمة في إدارة هذا الاحتقان للحيلولة دون انفجاره. نظرة سريعة على دول الجوار الأردني كافية لشرح ما أقول. العراق مع كل ما شهد ويشهد وسيشهد هو عنصر ضاغط على الوضع الأردني، كذلك سورية التي لم يظهر مدى تأثيرها على جارتها الجنوبية إلا عندما اندلعت الأزمة فيها، وأطول الحدود جنوبا مع السعودية التي تنحدر أصول بعض القبائل الأردنية من امتدادات قبلية فيها، واليوم تلعب السعودية دورا مختلفا عما اعتادته طوال عقود. ثم تأتي مشكلة الجار التي لا يمكن حضورها دون حضور الأردن، الحدود مع فلسطين التاريخية، والآن الضفة الغربية وإسرائيل، مع كل ما تعنيه الأزمة الفلسطينية من ضغوط وتعقيدات وصفقات وصراعات.ظلت الأزمات العديدة التي شهدتها دول الجوار تنعكس مباشرة على أمن ومصالح الأردن واستقراره الداخلي. ومع ذلك، فإن الأردن نجح مرات عديدة في احتواء تداعيات تلك الأزمات من خلال معادلةٍ نجح فيها صانع السياسة الأردنية على مر العقود، اتسمت بمزيج من المواءمة والتحالفات والتوازنات الإقليمية، بل حول بعض التحديات إلى فرص حقيقية حصل من خلالها على مكاسب سياسية واستراتيجية عديدة. ولكن لا يبدو أن المعادلة تبدو ناجحة هذه المرة، إذ يبدو أن قواعد اللعبة وخريطة التحالفات تتغيران بحدة في المنطقة. كان الأردن من أولى دول المنطقة التي تأثرت بتصاعد حدة الأزمة السورية، خصوصاً أنه كان إحدى الدول المستقبلة لموجات اللاجئين السوريين، على نحو فرض ضغوطا اقتصادية قوية على الداخل، ودفع الحكومات المتعاقبة إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية لم تحظ بدعم شعبي، والتي كان آخرها قانون ضريبة الدخل الذي أدى إلى اندلاع وتفاقم الاحتجاجات الأخيرة.
العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان واضحا في الرابع من الشهر الجاري عندما ربط بين الاحتجاجات التي تشهدها بلاده والتي أدت إلى استقالة الحكومة والتطورات الإقليمية المحيطة.السؤال: كيف يمكن أن تتطور الاحتجاجات التي تشهدها الأردن إلى اتجاه قد يدخله في "نفق مظلم" أو ينقله إلى "المجهول" حسب وصف الملك عبدالله الثاني. الاحتجاجات الداخلية كانت حاضرة في بعض دول المنطقة خلال الفترة الماضية لأسباب اقتصادية، لكن ظل العنصر الإقليمي والدولي مهماً في تحديد المسار.لا يمكن فصل تأثير طرح "صفقة القرن" عن هذا السياق، إذ سيكون له تأثيره على موقع الأردن التقليدي كطرف مباشر في الأزمة الفلسطينية، وأيضا سيكون له انعكاسات على التوازن الديموغرافي الداخلي بين الأردنيين والفلسطينيين. موقف الأردن من "الصفقة" أقرب إلى التحفظ أو الرفض، وهنا سيطل السؤال عما إذا كانت الرغبة في تمرير "الصفقة" هي أحد الأسباب التي ستحدد مسار احتجاجات الداخل الأردني، وما إذا كانت هذه رسالة لحسم الخلاف حول تلك القضية.