400 ألف خريج وخريجة قادمون إلى سوق العمل خلال العقدين القادمين تقريباً، لا 40 ألفاً كما ذكرت خطأ في المقال السابق. 400 ألف رقم يفترض أن يجعل كل شعرة برأس الحكومة والمجلس تقف قلقاً وهماً، لكن يبدو أن الاثنين في حالة صلع، وإلا فكيف نفسر بقاء حالة إدارة الدولة السياسية - الإدارية على وضعها القديم، و"يا جبل ما يهزك ريح"، الجماعة هم الجماعة، لم يتغيروا في نهجهم ولم يتبدلوا في أشخاصهم. مسؤول كبير يفشل في إدارة عليا يتم نقله إلى إدارة عليا أخرى بعد ضجة بسيطة من المجلس لينقل معه فشله وسوء إدارته من مكانه السابق إلى مكانه الجديد، وكأن "ما في البلد غير هذا الولد"، وهكذا تتم التعيينات التي تدير أمور الدولة بانتقاء أشخاص من الوعاء نفسه ومن ذات المجموعة القديمة التي لم تقدم ولم تؤخر منذ عقود، وليس لها من مواصفات خاصة غير "الرزة" مع البشوت وتوزيع الابتسامات أمام الكاميرات، وياليتهم يدركون كم مللناهم، وفقدنا كل أمل في تغيير نهجهم أو في تغيير أشخاصهم. 400 ألف رقم يصعب تصوره من المفروض أن يشغل حيزاً كبيراً من هموم الناس العاديين وهم لشعبٍ مازال يترنم أغنية مصطفى أحمد القديمة "ترى احنا ما نتغير ويارب لا تغير علينا"، لكن يبدو أن الواتساب وتوتير وفيسبوك والمولات التجارية والمسلسلات الرمضانية ألهت الجميع وأشغلتهم، أو "ربما" يدركون أنه لا حول لهم ولا قوة، فهم لم يختاروا الحكومة، وفرض عليهم كيفية اختيار نواب المجلس، فماذا يفعلون غير أن يفوضوا أمرهم لله، مثلما فوضت السلطة أمر إدارة الدولة إلى "صدفة" الزمن، وقالت لنفسها: "خل القرعة ترعى".
مسؤول قيادي كبير الآن، قال لي منذ فترة إننا قررنا التجنيد الإلزامي للخريجين كي يمنح لنا هذا فرصة زمنية بسيطة نحاول أن نحل فيها معضلة التوظيف الحكومي... قال العبارة هذه تحديداً: "نحاول أن نشم شوية نفس" خلالها، أي خلال فترة التجنيد. مثل هذا الكلام يحمل قدراً كبيراً من الإحساس بالمسؤولية حين ندرك أن هذا المسؤول القيادي مهموم بالغد ومخاطر انفجار البطالة القادم حتماً، لكن حتى هذا المسؤول مقيد بقدرته بوجود زملاء العمل ونوعيتهم وكيفية اختيارهم وببيروقراطية اتخاذ القرار و"المصالح المتشابكة" والمعقدة والفاسدة في جوف الدولة العميقة. ماذا نفعل إذا كانت الحكومة تخشى المواجهة، وتتوجس رهبة وخوفاً من الحلول الصعبة التي تتطلب مواجهة الناس وتحفيز وعيهم بصعوبة القادم ومصارحتهم بأمور الدولة بقدر ثابت من الشفافية، لا بالتهرب بعبارات دفاعية فضفاضة غير محددة مثل رد الهيئة العامة للاستثمار على تساؤلات أوضاع الصندوق السيادي وهو كل ما تبقى من رصيد الدولة المستقبلي! ماذا نفعل مع إدارة "طمام المرحوم " السياسية! هل نقول للموسرين قليلاً: درّسوا أبناءكم في مدارس وجامعات "فيرست كلاس" ثم دعوهم يبحثوا عن فرص عمل في أرض الله الواسعة! هل نقول للشباب من الجنسين: لا تتزوجوا ولا تنجبوا... فالمستقبل محفوف بالمخاطر، وقيم العمل التي تربيتم وتريدون أن تربوا أطفالكم على سيرتها لا تصلح لعالم التحديات الصعب القادم، وهل هناك أصعب من رقم 400 ألف.. ماذا نفعل؟!
أخر كلام
400 ألف
10-06-2018