رزان شابة فلسطينية في مقتبل العمر ولدت ونشأت في خزاعة بمحافظة خان يونس، وتمردت على مصاعب الحياة التي منعتها من استكمال التحصيل العلمي الجامعي، فأصرت على الحصول على كل تدريب طبي ممكن في مستشفى النصر، ومن ثم في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية. ومنذ اليوم الأول لمسيرة العودة تطوعت رزان ليس في أيام الجمع فقط، بل في كل يوم مع فرق إسعاف الإغاثة الطبية، وسرعان ما تميزت بأنها المسعفة الأكثر إقداما ونشاطا وحيوية، والأكثر رفقا بالجرحى، والأكثر لطفا ونبلا مع زملائها وزميلاتها.
أحبها الجرحى والجريحات، ورأوا فيها ملاك رحمة حقيقيا، ولفتت أنظار الصحافة المحلية والعالمية ببراءتها وشجاعتها وتفانيها، حتى كان يوم الجمعة قبل الماضي، عندما قرر القناصة الإسرائيليون المجرمون القضاء على حياتها، رغم أنها كانت تقف بعد جولات من الإسعاف للجرحى مع أربعة من زملائها من متطوعي الإغاثة الطبية بعيداً عن المتظاهرين، وعلى بعد عشرات الأمتار من الحاجز الإسرائيلي، وهي تستعد معهم للتقدم لإسعاف مزيد من الجرحى، فأطلقوا النار على صدرها بشكل مباشر، وأصابوا بالرصاص أيضا في اللحظة نفسها زميليها المتطوعين محمود عبدالعاطي ورامي أبو جزر، وذلك يؤكد، عكس أكاذيب الناطقين باسم جيش الاحتلال، أن عملية القتل كانت مبيتة ضد رزان وفريقها، وثانيا أن أكثر من قناص مجرم شارك في إطلاق النار.صورة رزان الشابة الجميلة الملائكية المفعمة بالحياة والسعادة وهي ترتدي لباس إسعاف الإغاثة الطبية الأبيض، شدت انتباه العالم بأسره، وفي لحظة واحدة تعرت حكومة إسرائيل وقادتها وجنودها وظهروا على حقيقتهم، مجرمون يبطشون حتى بفتاة بريئة مسعفة بعد أن أودوا بحياة 126 متظاهرا سلميا، وجرحوا ثلاثة عشر ألفا وستمئة منهم.كل أكاذيب نتنياهو وادعاءات جيشه، بأن جنودهم معرضون للخطر، وبأنهم لا يستهدفون المدنيين، وبأن الفلسطينيين الشهداء إرهابيون خطرون، وبأن الرصاص لم يطلق على رزان بشكل مباشر، تبخرت أمام صورة الحقيقة التي مثلتها رزان.وفي كل عاصمة زارها نتنياهو للتحريض على الفلسطينيين ولإشعال نار الصراعات في المنطقة، كانت صورة رزان تسبقه، وفي كل عاصمة سمع الاحتجاجات والاستهجان لما يقوم به جيشه الذي يستبيح النساء والأطفال والصحافيين والمسعفين، وسيسمع أكثر، لأن رزان صارت أيقونة لرسالة الطب والإسعاف الإنسانية النبيلة، وللمقاومة الشعبية الفلسطينية، مثلما غدت قدوة لجيل فلسطيني بكامله. ما حدث لرزان كان يمكن أن يحدث أيضا لمئات من المتطوعين المسعفين البواسل، الذين يتعرضون لاعتداءات جيش الاحتلال في رفح وجباليا وغزة، وفي المسجد الأقصى والقدس، وأمام مدخل بيت لحم ومقابل مستعمرة بيت إيل، في كفر قدوم، وحوارة، وفي البلدة القديمة في الخليل، وفي كل مكان يتطوع فيه هؤلاء الشباب والشابات البواسل من أجل حرية شعبهم وإسعاف الجرحى والمصابين.هؤلاء الشباب والشابات أعادوا للناس الأمل والثقة بأن روح التطوع والعطاء ما زالت حية في صفوف الأجيال الشابة من شعبنا، وأنهم جاهزون لتكرار مآثر جيلنا التطوعية التي ميزت سنوات السبعينيات والثمانينيات، ووصلت ذروتها في الانتفاضتين الأولى والثانية. رأينا صور رزان منشورة في كل أنحاء المسجد الأقصى، ووقف أمامها كثيرون من المصلين يترحمون عليها، وألصق متطوعو الإسعاف الأولي صورها على صدورهم، وشعر الفلسطينيون وأصدقاؤهم بالاحترام والتقدير لوالدة رزان، التي ارتدت في أول جمعة بعد استشهاد ابنتها سترة إسعاف الإغاثة الطبية الخاصة بها، وحلت مكان الشهيدة في إسعاف الجرحى مع فريق الإغاثة الطبية من زملائها وزميلاتها. لا أحد مخلد في هذه الحياة، بعض الناس يعيشون حياتهم كاملة، وبعض الشباب لا يحظى إلا بجزء يسير منها، ومعظم الشهداء يرتقون وهم في بداية شبابهم أو في قمة عطائهم، لكن هؤلاء الشهداء مثل رزان، وبغض النظر عن قصر حياتهم، يتركون أثرا عميقا لا يمحى، ويغدوا اسمهم خالدا على مر الأزمان.ورزان بعطائها واستشهادها لم تترك فقط أثراً عميقاً، بل أثرت في حياة الملايين من الفلسطينيين والبشر، وأصبح اسمها حافزا وقدوة لمئات الآلاف من الشباب الفلسطينيين، كما غدا وثيقة إدانة ستلاحق دوما جلاديها المحتلين حتى يزول احتلالهم واضطهادهم ومنظومة تمييزهم العنصري. *الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
رزان
10-06-2018