التحول الرقمي في صناعة التأمين العربية... اتجاه جبري
لم يكن مستغرباً أن يتخذ مؤتمر الاتحاد العام العربي للتأمين في دورته الثانية والثلاثين شعاراً حول «التحول الرقمي وصناعة التأمين في الوطن العربي»، بعد أن شهدت الأسواق العربية عموماً، وسوق التأمين خصوصاً، تباطؤاً في الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، خلال العقد الماضي، في سبيل اللحاق بما جنته شركات التأمين الغربية من فوائد جمة في هذا المجال الحيوي.وإذا كنا نشكو من أمية متفشية في مجال الوعي التأميني أو انخفاض في درجة الثقافة التأمينية في الدول الخليجية، إما بسبب ندرة في الخبرات التأمينية، أو لغياب القدرة التسويقية للمنتجات التأمينية، فإن الغياب شبه الكامل في تطبيق التكنولوجيا الرقمية في المعاملات التأمينية، يعد من أهم المعوقات في طريق تحديث قطاع التأمين. إذ إن للتكنولوجيا الرقمية إيجابيات ومميزات عدة إذا ما حظيت بالتطبيق في قطاع التأمين، وأهمها تسريع وتيرة إنجاز المعاملات وتبسيطها وتوفرها وتوفيرها في كل وقت. ورغم التوقعات التي تشير إلى احتمال اتجاه شركات التأمين الكبرى والرابحة نحو تطبيق هذه التكنولوجيا في تعاملاتها اليومية، فإننا لا نرى أي قرارات حاسمة أو حتى مؤشرات تدل إلى هذا الاتجاه. وإذا كان خبراء التأمين الغربيون يؤكدون أن أهم فوائد التكنولوجيا الرقمية تلبية احتياجات العملاء، وتخفيض المصاريف العمومية أو الإدارية، وهي أمور تعمل كل شركات التأمين على تحقيقها من أجل الربحية على الأقل، فإننا لا نرى في الأفق ما يشير إلى محاولة إعداد الكفاءات المحلية فنياً ومهنياً لتطبيق هذه التكنولوجيا.
وقد أشرنا إلى أهمية التكنولوجيا في صناعة التأمين على المستوى المحلي قبل ثماني سنوات، وتحديداً في بداية عام 2010، عندما اقترحنا على بعض زملاء المهنة في شركات التأمين الكويتية الأخرى فكرة إنشاء شبكة معلومات تأمينية، شبيهة بفكرة شبكة المعلومات الائتمانية CI NET، لحماية شركات التأمين المحلية من عمليات النصب والاحتيال، وهي عمليات كانت قد تزايدت آنذاك بسبب تطور تكنولوجيا الاتصال وتقنيات التزوير، لكنها، للأسف الشديد، لم تلق تشجيعاً ولا قبولاً من شركات التأمين الكويتية الأخرى. ولو نفذت هذه الفكرة في ذلك الوقت، لاستطاع قطاع التأمين أن يرتب أوضاعه تكنولوجيا، ويخطو خطوات جبارة نحو تطبيق التكنولوجيا الرقمية اليوم، ولتمكنت شركات التأمين الكويتية من تنظيم أعمالها ونشاطاتها التأمينية، وأسرعت من وتيرة إصدار وثائق التأمين دون خوف من احتمالات وجود حالات تزوير في هذه الوثائق، وهي أعمال يلجأ إليها البعض للحصول على تعويضات لا يستحقونها. وإذا كنا نعاني، خلال السنوات القليلة الماضية، منافسة شديدة من شركات التأمين الأجنبية في السوق الكويتي، فإن هذه المنافسة ستشتد وتحتدم أكثر من ذي قبل، إذا ما تخلفت الشركات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، في تطبيق التكنولوجيا الرقمية التي تعتمدها شركات التأمين الأجنبية بشكل يكاد يكون كلياً منذ فترة ليست قصيرة. فعدا أن سوق التأمين الكويتي يعتمد في أعماله على قرارات وزارية أخذت صفة القانون، أو هي عرفاً صارت قانوناً، منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، ورغم وجود مقترح قانون حكومي أطلق عليه «مشروع قانون بشأن تنظيم قطاع التأمين والإشراف والرقابة عليه»، كانت الحكومة قد وزعته على شركات التأمين والجهات ذات العلاقة بهذا القطاع، قبل أكثر من عشر سنوات، لدراسته وتقديم الملاحظات عليه، من أجل أن تقدمه منقحاً «تأمينياً» لمجلس الأمة لإقراره، ثم حبسته وزارة التجارة والصناعة في أدراجها منذ عقد من الزمن، دون إبداء الأسباب، رغم كل هذا، فإنه يبدو أن القلة سواء في الكويت، أو في منطقة الخليج، أو حتى على المستوى العربي، تعرف أن أقساط التأمين ستنخفض في الدول الغربية عموماً، وفي الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، خلال العقدين المقبلين، بسبب تزويد السيارات بمميزات تقلل من الحوادث المرورية على الطرق، مثل كشف الزوايا العمياء، وتفادي الاصطدام من الأمام، وتكنولوجيا القيادة الأوتوماتيكية بدون سائق.هذه المميزات المستحدثة لحماية السيارة والسائق من الحوادث المرورية، ستدفع أقساط التأمين نحو التراجع بشكل ملحوظ، وبالتالي ستتحول وثائق التأمين من «تأمين المخاطر»، إلى «تجنب المخاطر». وطالما اعتمدت شركات التأمين على التكنولوجيا الرقمية في أعمالها اليومية، فما الذي يمنعها من أن تعتمد فيما بعد على جهاز إلكتروني يوضع داخل كل سيارة مؤمن عليها يستطيع أن يجمع معلومات حول معدل المسافات التي يقطعها السائق كل يوم من وإلى مقر عمله، ومعدل السرعة، وعن عدد الركاب الذين يرافقونه يومياً، وحول أنواع الصيانة التي يجريها على السيارة، وغيرها من المعلومات المهمة التي يمكن أن تصل يومياً إلى شركة التأمين التي حررت الوثيقة، من أجل تحليلها والتأكد من سلامة أداء السيارة لتخفيض معدلات الحوادث المرورية، ولتكون المحصلة النهائية انحداراً صاروخياً في حجم التعويضات التي تتكبدها شركات التأمين سنوياً هذه الأيام، بسبب غياب المعلومة الرقمية. ولهذا نقول إنه إذا كانت التكنولوجيا الرقمية قد استطاعت أن تلعب دوراً كبيراً في تشكيل أداء قطاعات اقتصادية عدة في كثير من أنحاء العالم، ومنها القطاع المصرفي على المستوى المحلي على الأقل، خلال العقود الثلاثة الماضية، فإن قطاع التأمين، الذي دخل كداعم للنشاط التجاري في كل القطاعات الاقتصادية، لديه القدرة على إعادة صياغة أداء هذا القطاع الحيوي، إذا ما اعتمد على التكنولوجيا الرقمية. ومن هنا نتمنى لمؤتمر الاتحاد العام العربي للتأمين في دورته الثانية والثلاثين كل النجاح في دعم تحول صناعة التأمين العربي إلى التكنولوجيا الرقمية خلال السنوات القليلة المقبلة، قبل فوات الأوان. *الرئيس التنفيذي لشركة غزال للتأمين