كنا ومازلنا ندرك أن مهنة المحاماة تحتاج إلى تشريع يواكب التطورات والاحتياجات التي تكفل ممارسة المهنة بالمفهوم الحقيقي لها، فضلا عن أن هذه التشريعات هي السبيل الوحيد الذي من خلاله ستكون هناك نقلة نوعية للمهن وفرض لهيبة المحامي، اليوم نمارس مهنة تحمل في طياتها رسالة حق وهموم أشخاص، وبموجب قسم هذه المهنة تنتقل هذه الأعباء من الموكل إلى محاميه.انتظرنا طويلا من خلال عدة مجالس إدارات لجمعية المحامين، وقُدم الكثير من التشريعات التي تسعف الوضع الذي وصلنا له، ولكن لم تتسن الفرصة الحقيقية حتى يقر قانون جديد متكامل... فوجئت بالتعديلات التي وضعها مجلس إدارة جمعية المحامين الحالي! فهي مجرد نصوص تنظيمية لا ترتقي إلى الإلزامية.
لي تجربة بسيطة عندما كنت أستكمل الدراسات العليا في بريطانيا وحاولت ممارسة مهنة المحاماة هناك، واستفسرت عن شروط الانتساب إلى هذه المهنة العظيمة، بعدها علمت وادركت تماماً الفرق بيننا وبينهم... سألت الدكتور المشرف على رسالتي: ما الشروط الواجب توافرها حتى تكون محامياً معتمداً في بريطانيا؟ ضحك وقرر لي بأنه من الصعب علي فعل هذا، واستكمل حديثه: حتى تكون محاميا في بريطانيا يجب أن تجتاز دورة (LPC) مدتها سنة ومكثفة ومليئة بالاختبارات، والكثير من البريطانيين لا يستطيعون اجتيازها. إن هذه الدورة مكلفة مالياً، إذ تتراوح قيمتها المالية بين ١٤ و٢٠ الف جنيه إسترليني، بعدها تلتحق بأحد مكاتب المحاماة وتكون محاميا متدربا لمدة سنتين، بعد ذلك يجب أن تجتاز دورة (psc)، وبعدها تكون محاميا معتمدا.كل هذا المشوار الذي يستغرق سنوات من العلم المكثف، الذي يتناول مبادئ وأساسيات المهنة، هو جزء كفيل بالارتقاء الذاتي ومعرفة المحامي واجباته وحقوقه، فلا يستطيع أن يجرأ عليه ضابط أو قاض أو وكيل نيابة بإهانته أو التعدي عليه، لأنه على علم دقيق بواجباته وحقوقه، أما ما نعيشه اليوم وحتى ينتسب شخص لجمعية المحامين الكويتية فلا يحتاج إلى أكثر من ٤٨ ساعة إن لم تكن أقل.التعديلات المرسلة إلى مجلس الأمة لن تقدم للمهنة أي شيء! فبدلا من أن توضع للمحامي المتدرب دورة إلزامية تؤهله للعمل في هذا المجال، توضع دورة لمحامي ج أو د، فمن أحوج لهذه الدورة؟ محام تحت التدريب أم محامي د أو ج؟! وما الفرق بين تحقيق محام مع وكيل نيابة أو رئيس نيابة؟! هل اختزلت همومنا في ذلك؟! أين نحن من إعداد المحامي إعدادا جيدا يمكنه من التعامل مع موكليه وزملائه ومع المحكمة؟ أين نحن من تثقيف المحامي من الناحية العملية؟! أين نحن من أدعياء المهنة ومضمنين المكاتب؟! أين نحن من توسيع مجال دخل المحامي؟! لماذا تفرض هيئة أسواق المال على الشركات تعيين مدقق مالي على خلاف المحاسبين الداخليين، ولا تشترط توكيل محام يضمن صحة عقود الشركة وحماية مساهميها؟! أضف إلى ذلك أنه لوحظ مؤخراً قيام الكثير من المتقاعدين المنتسبين للمهنة بتضمين مكاتبهم لإحدى الجناسي الوافدة مقابل مبلغ مقطوع شهريا، فمن له الأحقية في تفتيش مكاتبهم؟ لماذا لم يوضع نص يعطي رئيس الجمعية صفة الضبطية القضائية لمراقبة هذه المشكلة؟ أخيراً أستغرب كل الاستغراب لماذا لم تشمل التعديلات تحويل الجمعية إلى نقابة، حتى نستقل من رقابة وزارة الشؤون، لم يأت برنامج انتخابي إلا وقد ذكر فيه تحويل الجمعية إلى نقابة!اخواني اعضاء مجلس الادارة اتمنى تقبل رأيي من زميل محب لكم، متمنياً منكم عدم تفويت هذه الفرصة التي ستنقل المهنة من وضع الى آخر، إن الارتقاء بالمهنة يحتاج منظومة وليس قرارا، يحتاج تشريعا يكفل إعداد محامين على قدر من المسؤولية والعلم، وإيجاد فرص عمل لهم من خلال تأسيس الشركات والاعتماد والتصديق على الوثائق العقارية ونحتاج حماية إجرائية تكفل الممارسة الفعلية للمحامين.
مقالات
المحاماة عندهم وعندنا!
12-06-2018