«هذا وأنت صايم؟»
هذا وأنت صايم؟ تعبير صادق يوجه لمن تخالف أفعاله اليومية في رمضان الحكمة من الصوم، لم يشرع الصوم للمسلمين للجوع والعطش فقط، بل كان وراءه حكم جليلة أعلاها تزكية النفس وتطويعها لمواجهة هواها، والصبر على مقاطعة ملذاتها، ومن وراء هذه المجاهدة اليومية المتكررة في الشهر الفضيل ترتقي النفس البشرية باستشعارها قيمة الحياة الفانية وحقيقتها القصيرة.تجتمع الطاعات في رمضان لتصقل نفس المسلم من كل النواحي، فهو يصوم عن المباحات والأكل والشرب، ويختم القرآن الكريم كلام الله تعالى، ويتهجد الليالي، ويصل أرحامه، وينفق بسخاء وطيب نفس للآخرين، ويترفع عن المشاحنات والمشاجرات، فإن سابّه أحدٌ قال: إني صائم."لعلكم تتقون" قيمة الصيام الحقيقية في الدنيا بزيادة التقوى، التقوى في طاعة الله سبحانه، والتقوى في التعامل مع البشر، وإذا كانت التقوى مع الله لها براهين معلنة وأخرى خافية بين المسلم وربّه فإن لها مع الناس علامات لا تخفى على الإنسان وتظهر على أفعاله وأقواله.
يصوم ويشهد الزور؟ يصوم ويكذب؟ يصوم ويعتدي على حقوق الآخرين؟ يصوم ويمدّ يديه للمال الحرام؟ يصوم ويخون واجباته في وظيفته التي يأخذ منها راتبه؟ يصوم ويعق والديه؟ يصوم ويحرم زوجته وأبناءه نفقتهم؟ يصوم ويؤذي جاره؟ يصوم ويغش في دراسته؟ يصوم ويخون عهوده مع الناس؟ يصوم ويظلم مرؤوسيه في العمل؟ يصوم ويمنع رواتب العاملين تحته؟ وهكذا يمكنك الاستمرار في مراجعة كل الأعمال والمعاملات التي يقترفها الإنسان في حياته اليومية ثم تعرضها على صيامه الشهر الفضيل وتتساءل: هل يصوم فعلاً من يتطاول على حقوق الناس وأماناتهم؟أيها المسلمون في كل مكان تذكروا أن عليكم حقوقاً للوالدين وللأزواج وللأبناء وللقرابة وللجيران وللعاملين وللقريب والبعيد وحقوقاً للرعية وللراعي شبكة متسلسلة من الاحترام المتبادل والمتكامل في منظومة المجتمع حتى لا يبغي أحد على أحد، وكلما عظمت مسؤولية الإنسان عظمت مسؤوليته، فالحاكم أعظمهم مسؤولية وأعظمهم مساءلة.ها هو الشهر الفضيل قد انقضى، فيا من صام نهاره وقام لياليه لا تحمل على أكتافك ظليمة للناس من مال أو حق أو دين أو أمانة قد تبوء بإثمها في القبر، وتحلل منها قبل أن تصيبك حوبتها في نفسك أو مالك أو ذريتك، وتذكر أن غاية الصوم اجتمعت في الآية الكريمة "لعلكم تتقون".والله الموفق.