إعادة فرز الأصوات ستختبر نزاهة الانتخابات العراقية
حين تأخذ عملية إعادة فرز الأصوات مسارها، من المرجح أن يضطر العبادي وحكومته إلى التوجه إلى حكومة تسيير أعمال في غياب هيئة تشريعية جديدة، ومن شأن أي قرارات يتخذها في الفترة الانتقالية أن تؤثر في فرصه في تأمين فترة ولاية ثانية.
تلاشى أخيراً الانتعاش الذي أحاط انتخابات مجلس النواب العراقي التي جرت في 12 مايو وسط اندلاع أعمال عنف وادعاءات بحدوث عمليات تزوير واسعة النطاق، وحدثت انفجارات في مدينة الصدر في حين أُضرمت النيران في مخازن للصناديق الانتخابية، ووقعت هذه الحوادث فيما تنظر الحكومة في اتهامات بتلاعب في آلات التصويت الإلكترونية، وحشو صناديق الاقتراع، وتخويف الناخبين، وأعمال رشوة، وسوء استخدام بطاقات هويات الناخبين.وتجاهلت «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» شكاوى التزوير في البداية، لكن تحقيقاً أجراه مجلس الوزراء وجد أدلة كافية للدعوة إلى إعادة عملية الفرز اليدوية للانتخابات بصورة استطلاعية بنسبة 5 في المئة في محافظات معينة. يؤدي تجاهل الأدلة على تزوير الانتخابات أو تغطيتها إلى اضمحلال الثقة بالانتخابات التي شهدت انخفاضاً قياسياً في نسبة الإقبال، مما يثير الشكوك حول شرعية الحكومة المقبلة، وقد تبعث إعادة فرز الأصوات، رغم أنها محفوفة بالمخاطر، بعض الطمأنينة في النظام الانتخابي العراقي إذا تمت بشكل صحيح. تعزيز الثقة أمر أساسي الآن مع عمليتي انتخاب إضافيتين تلوحان في الأفق: انتخابات «حكومة إقليم كردستان» في سبتمبر، وانتخابات المحافظات المقرر إجراؤها في جميع أنحاء البلاد في ديسمبر.
ويدعم كل من مجلس الوزراء والسلطة التشريعية إعادة فرز الأصوات، لذا من المرجح أن يتم العمل بها، وعلى أقل تقدير ستؤدي هذه العملية إلى بعض التغيير في نتائج إحصاء الأصوات النهائي، وربما قد تكون كافية لتغيير النتائج في محافظات معينة.ومع ذلك ليست إعادة الفرز اليدوي دواءً لكل داء، وعلى الرغم من أنها قد تمنع الاحتيال الإلكتروني فإنّها لن تكتشف المشاكل الأخرى مثل حشو صناديق الاقتراع وترهيب الناخبين، وقد يؤدي الحريق الذي وقع في مخازن الصناديق الانتخابية في 10 يونيو إلى زيادة الحد من فعالية إعادة فرز الأصوات إذا تم تدمير أدلة حاسمة. تحمل عملية إعادة الفرز أيضاً مخاطر سياسية كبيرة، فقد تؤدي إلى تأخير عملية تشكيل الحكومة حتى عام 2019 وتُسبب المزيد من تفكك الأحزاب، كما قد ينتج عنها تغييرات كبيرة في النتائج المعلنة التي قد تنتهي بتقويض الائتلاف الشيعي العربي الذي يتزعمه مقتدى الصدر، وهو تطور سيؤدي بلا شك إلى تفاقم التوترات الطائفية والاضطرابات السياسية.أما في «حكومة إقليم كردستان»، فقد تشبّث «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و»الاتحاد الوطني الكردستاني» بمواقفهما المتعلقة بالانتخابات وقاطعا جلسة مجلس النواب التي صوتت لإعادة فرز الأصوات ورفضا الأمر الذي صدر بإلغاء نتائج الاقتراع الخاص بقوات الأمن. وقد يلجأ بعض العناصر إلى العنف في حال لم تسر العملية في مصلحتها- على سبيل المثال عندما ذكرت وسائل الإعلام التابعة لـ»حزب غوران»- فصيل المعارضة في «حكومة إقليم كردستان»- احتمال حدوث تزوير في عملية التصويت قبل موعد الانتخابات بوقت قصير، هاجمت عناصر من «الاتحاد الوطني الكردستاني» مقر الحزب في السليمانية. أما بالنسبة الى إمكان نشوب أعمال عنف أوسع نطاقاً على صعيد البلاد، يبدو أن مثل هذه الحوادث تشكل تهديداً دائماً في العراق، وعلى الرغم من الإصلاحات الجارية في قطاع الأمن فإنّ كثيراً من القوات والميليشيات ما زال خارج سيطرة الحكومة. وقد ساد الأمن خلال الانتخابات نفسها، ولكن التفجيرات التي وقعت في مدينة الصدر والحريق الذي طال مخازن الصناديق الانتخابية تُظهر مدى السهولة التي يمكن أن تصبح فيها بعض الجهات الفاعلة قوة مخربة، بغض النظر إذا كانت أجنبية أم محلية.ماذا نتوقع؟للحد من هذه المخاطر واستعادة بعض الثقة في الديمقراطية العراقية، يجب إجراء عملية إعادة فرز الأصوات في أسرع وقت ممكن، ومع أقصى دعم دولي، وسيساعد المراقبون الأجانب غير المتحيزين في تعزيز الثقة بالعملية، فمشاركة الأمم المتحدة أمر لا بد منه، وتلك الحال مع الدعم الذي تقدمه المنظمات الشهيرة في الولايات المتحدة مثل «المعهد الجمهوري الدولي» و»المعهد الديمقراطي الوطني». قد ينطوي إجراء انتخابات جديدة على مخاطر أكبر؛ وستصبح فرص هذا السيناريو أكثر وضوحاً في الأيام القادمة، خصوصا إذا ساهمت شخصيات بارزة على غرار المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني في الإدلاء بملاحظات علنية.وحين تأخذ عملية إعادة فرز الأصوات مسارها، من المرجح أن يضطر العبادي وحكومته إلى التوجه إلى حكومة تسيير أعمال في غياب هيئة تشريعية جديدة، ومن شأن أي قرارات يتخذها في الفترة الانتقالية أن تؤثر في فرصه في تأمين فترة ولاية ثانية.وعلى المسؤولين الأميركيين البقاء على الحياد عندما يقدمون للعبادي أي دعم يحتاجه لضمان المساءلة وسيادة القانون، بالإضافة إلى ذلك ينبغي عليهم مساعدة الجيش العراقي في التركيز في أمن المحافظات التي حرّرت أخيراً من تنظيم «الدولة الإسلامية»، حيث كان تزوير الانتخابات منتشراً على نطاق واسع، ولا تستطيع هذه المحافظات على وجه الخصوص تحمّل مزيد من العنف، وعلى واشنطن أيضاً أن تُرسل إشارة إلى الحزبين الكرديين الحاكمين بأن العنف السياسي في شمال البلاد أمر غير مقبول.* بلال وهاب
عملية إعادة الفرز تحمل مخاطر سياسية كبيرة فقد تؤدي إلى تأخير تشكيل الحكومة حتى عام 2019