«الناتو» يستعد من جديد لمواجهة الأسوأ
تنتشر أبنية بنية اللون على امتداد ساحة طويلة تشتمل على تجهيزات ومولدات إلى جانب حواسيب حضن عسكرية من النوع الذي لا يتحطم إذا سقط على الأرض، كما تنتشر مجموعة من الطاولات المخصصة لمثل تلك الأغراض. ويتحدث رجال هناك بصوت منخفض وهم من دول مختلفة، ويرتدي بعضهم ألبسة مموهة كما ترتفع خريطة كبيرة لساحل البلطيق في أوروبا على أحد الجدران، وقد حملت علامات ملونة مختلفة ترمز الى أهداف معينة.ويمكن القول إن هذا هو التحالف عبر الأطلسي، ولكنه ليس كذلك من وجهة نظرية ولا النوع الذي يناقشه الناس في الوقت الراهن بكثير من القلق من العاصمة الأميركية واشنطن الى تالين ومونتريال. إنه التحالف عبر الأطلسي بصورته العملية، وهو، بالمناسبة، المقر المؤقت لما يعرف باسم «أثر طروادة» وهي تدريبات القوات الخاصة لحلف شمال الأطلسي التي تمثل أكثر من 2000 من القوات التقليدية وغير التقليدية من أكثر من دستة من الدول بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا وكندا وبلجيكا وحتى السويد. وهذا البناء لا يمثل الشيء الكثير أو اللافت من الخارج وتلك بشكل جزئي هي النقطة المهمة في هذه العملية التي تم الإعداد لها بصورة تنطوي على تكتم وحذر في منطقة تقع خارج قرية بولندية. وقد انتهت تلك الترتيبات الآن كما تم نقل المولدات وسيتم إرسال الرجال إلى بلدانهم مع حواسيب الحضن التي كانت موجودة معهم، وكانت هذه التدريبات من النوع السري الى حد ما– وقد طلب مني عدم ذكر اسم تلك القرية البولندية لأسباب تتعلق بالأمن– ولكن ليس بصورة تامة، وقد شعرت مجموعة القوات الخاصة العاشرة، والقبعات الخضراء، التي كانت تدير التدريبات بالسعادة لأن المعتدين المحتملين قد عرفوا بإجراء هذه العملية. وشعرت بسرور بشكل خاص لأن الدولة الكبيرة الواقعة الى الشرق من بولندا وليتوانيا ولاتفيا وأستونيا كانت تخطط وتمارس الخطوات اللازمة لمواجهة كل السيناريوهات المحتملة بما في ذلك التصدي لغزو واسع النطاق.
دول لا تريد الحرب
وهذه ليست كما تريد الدعاية الروسية تصويرها على أنها من دول تسعى الى الحرب، وذلك لأن تلك الدول لا تريد الحرب، وقد أبلغني القائد الأميركي الكولونيل لورانس فيرغسون الذي يشرف على هذه العملية «المسألة في نهاية المطاف تتعلق بالردع، ونحن نقول هذا هو الثمن الذي سيدفع وهذه هي الحبة المريرة التي يتعين عليكم ابتلاعها» إذا اندلعت الحرب.وتجدر الإشارة إلى أن القبعات الخضراء كانت تفكر في كيفية ردع لغزو يستهدف أوروبا منذ خمسينيات القرن الماضي، على الرغم من أنه تركز اهتمامها طوال العشرين سنة الماضية على أماكن أخرى بشكل أكبر، وفي الآونة الأخيرة، كان البناء العسكري الروسي وغزو روسيا لأوكرانيا (الذي وصفه الكولونيل فيرغسون بنداء الاستيقاظ) وكذلك تكثيف الدعاية المناوئة للأوروبيين في وسائل الإعلام الروسية إضافة إلى سلسلة من التدريبات العسكرية الروسية الواسعة النطاق قد قرعت أجراس الخطر في عواصم حلف شمال الأطللسي، وذلك صحيح بشكل خاص هنا في منطقة البلطيق لأن الجيش الروسي عندما يجري تدريبات فإنها تتمحور حول غزو دول البلطيق. وإذا كانت هذه الحصيلة ستحدث بشكل فعلي– نتيجة حادث سياسي حقيقي أو ربما عملية مزيفة– فإن المرحلة الأولى قد تنتهي بسرعة: دول البلطيق صغيرة الحجم ويمكن اجتياحها من قبل القوات الروسية خلال ساعات فقط. ولهذا السبب تدربت القوات الخاصة التابعة لحلف شمال الأطلسي على الخطوات التالية: كيفية إجراء عمليات الرصد وسبل إحضار قوات غير نظامية إلى تلك المنطقة وكيفية الالتقاء بمجرد وصولها إلى المنطقة وما هي المهام التي يمكن أن توكل إليها عندئذ.ونظراً لأن الخطوة التالي الحقيقية ستشمل مقاومة شعبية كانت المنظمات المدنية جزءاً من التدريبات أيضاً، وقد أخبرني الجنرال ليونيدز كانينز وهو رئيس الدفاع الوطني في لاتفيا أن الحرس الوطني في بلاده الذي يشمل المدنيين الذين يمثلون سكان لاتفيا والمجموعات العرقية الروسية يشكلون جزءاً مهماً وحيوياً من القوات العسكرية في ذلك البلد: «الدعاية الروسية تستخدم المجموعات العرقية على شكل أداة رئيسة من أجل تفريق المجتمع، ونحن نعتبر هذه حرباً هجينة ونحارب لمنعها». ونظراً لأن عمليات المعلومات المضللة غدت في الوقت الراهن جزءاً من أي نزاع أيضاً فإن بعض الجنود في هذه التدريبات استخدموا نوعاً من الإنترنت الاصطناعي من أجل ممارسة ردهم على ذلك، ويتمثل الجانب المهم في هذا كله في تعلم الدروس ومعرفة الأشياء التي لن تعمل إضافة إلى إيجاد الحلول– وطبعاً إقامة علاقات يمكن أن تنقذ الأرواح بصورة ما ذات يوم. وعلى الرغم من أن أحداً لم يخطط لهذه العملية على هذا النحو فإن توقيت هذه التدريبات كان ينطوي على أهمية كبيرة، وليس سراً أن التحالف الغربي في ورطة شديدة، وربما لم يتعرض لمثل هذا الوضع بقدر يفوق ما واجهه في نهاية الأسبوع الماضي. وقد استخدم الرئيس الأميركي ترامب اجتماع مجموعة السبع لاطلاق معركة علنية مع كندا وحلفائه الأوروبيين كما تعمد تقويض التجارة الغربية.روسيا شريك أفضل؟
وقد بدأت طبقة من رجال السياسة في أوروبا بالسؤال عما إذا كانت روسيا ستمثل شريكاً أفضل من الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى المستقبل المنظور فإن الأخبار الواردة عن العلاقات الأميركية– الأوروبية ستكون سيئة، وربما سيئة جداً.ومن هذا المنطلق عليكم التفكير في هذه المقالة على شكل صورة طمأنة، حتى إذا قرأتم عن خلاف بين الرئيسين الأميركي ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون وحتى عن الضرر الذي يلحقه البيت الأبيض بقضية الديمقراطية بصورة عامة بقدر أكبر، فعليكم أن تتذكروا هذا: في العديد من الزوايا الهادئة في أوروبا لا تزال مجموعات صغيرة من الأميركيين والأوروبيين تكرس وقتها للسلامة المتبادلة بين الجانبين، واذا حدثت أزمة فقد نكون في حاجة إليهم.