أحمد إبراهيم الفقيه: أكتب ما يرضيني وأبحث عن متعتي قبل متعة القارئ

• احتفى بصدور روايته الخامسة والعشرين

نشر في 17-06-2018
آخر تحديث 17-06-2018 | 00:01
صدرت للأديب الليبي الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه (76 عاماً)، الرواية رقم 25 في مشواره الأدبي، قبل أيام في القاهرة بعنوان «خالتي غزالة تسافر في فندق عائم إلى أمريكا». حول أجواء الرواية التي تندرج تحت أدب الرحلة، وترجمة أعماله إلى لغات عدة، وتنوع إنتاجه في شتى صنوف الإبداع الأدبي، دار هذا الحوار الذي أجرته معه «الجريدة» من القاهرة عبر الإنترنت، لأنه يقيم في أثينا.
ما الأجواء التي تدور فيها روايتك الجديدة «خالتي غزالة تسافر في فندق عالم إلى أمريكا»؟

استوحيت هذه الرواية من بعض رحلاتي في البحر، وصدرت عن «روايات الهلال» في القاهرة. أردت عبرها الانتقال من عوالم مألوفة اقتبستها من مدن وقرى أقمت فيها، وعلاقات إنسانية تدور في سياق الواقع إلى عالم مفارق ومختلف وعامر بأسراره، يختلط فيه العالم الواقعي في حياة سفينة تمخر المحيط مع الأجواء العجائبية التي تستوحي التراث العربي لأدب البحر من مغامرات السندباد البحري، إلى رحلات الخيال العجائبية في غيرها من قصص ألف ليلة ورحلات المسعودي وابن بطوطة. كذلك بعض التناص مع الأساطير الإنسانية حول البحر مثل جزيرة أطلانطس وغيرها، وهنا يتقاطع ما أكتبه من عمل سردي ينتمي إلى أدب البحر مع ما أكتبه من أدب سردي ينتمي إلى واقع الحياة خارج حياة البحر باستراتيجية في الكتابة الروائية، مفادها أنني لا أهمل الواقع ولا أكتفي به، بل دائماً أكتب وأسير على طريق التخوم بين الواقع والخيال الذي يرفد الواقع بما فوقه وتحته، وما يمكن أن يضيفه الحدس والحلم والخيال والفانتازيا من إثراء للواقع.

ما قواعد الكتابة في أدب البحر؟

جبت كثيراً من بلاد العالم، وعشت في بلاد عربية وأجنبية عدة خلال عملي الدبلوماسي وجولاتي السياحية والصحافية، وكنت أنظر إلى ما حولي بعين الكاتب الذي يحرص على أن يغذي أدبه بهذه التجارب، وهذا التفاعل مع حضارات الشعوب وثقافاتها وبيئاتها المختلفة. والكتابة عن البحر بالنسبة إليّ هي نص كغيره من النصوص، أوظف فيه خبرتي بما عرفت ورأيت وقرأت، مضيفاً إليه ما يمكن أن تزودني به المخيلة من إثراء للواقع. وفي هذا الإطار تدور روايتي الجديدة التي اخترت لعالمها سفينة سياحية من نوع فنادق الدرجة الأولى، مستفيداً من رحلاتي في هذه السفن، بينما الرواية الثانية «صمت الأوقيانوس» اخترت لها سفينة شحن عملاقة، وهي أيضاً تجربة عشتها عندما سافرت عبر واحدة من هذه السفن.

تنوّع

تنوعت كتاباتك بين الرواية والقصة وأدب الرحلة والعمل الصحافي. كيف يمكن لكاتب أن يتمتع بكل هذا الثراء، هل من مقومات دعمت تنوع تجربتك؟

يكمن السر في أنني أنتمي إلى بيئة أدبية صغيرة بحجم المساحات الإقليمية المحدودة، فليبيا وعاصمتها طرابلس ليست مركزاً ثقافياً كبيراً، وقد لا يعرف القارئ أن كتابي الأول الذي صدر في منتصف الستينيات «البحر لا ماء فيه» كان قصصياً لم يسبقه في الصدور في ليبيا منذ اختراع المطبعة على يد غوتنبرغ منذ ستة قرون عدد من الكتب القصصية لا يزيد على أصابع اليد. أي أنني تربيت في بيئة متحررة من هيمنة المؤسسات أو هيمنة التقاليد الأدبية التي تفرض على الكاتب خطاً يسير فيه مثل دول المؤسسات العريقة التي ترسم للكاتب طريقاً ترغمه على انتهاجه، فهذه الحرية جعلت الكاتب يستطيع أن يخوض في كل الألوان الأدبية، وعبر هذه التجربة اكتشفت مدى رهافة هذه الحدود التي كان سهلاً أن أتنقل بينها من دون تعب، فأكتب السرد طويلاً وقصيراً، وأكتب المسرحية وأكتب التراجم وأدب السيرة وأدب الرحلات وأدب المقالة من دون صعوبة ومن دون أن أجد ضغطاً من جهة أو مؤسسة تريدني أن أكتب حسب مشيئتها، وإنما أكتب وفق مشيئتي وأكتب ما يرضيني لا ما يرضي السوق، وأبحث عن متعتي قبل أن أبحث عن متعة القارئ، آملاً بأن ما أحققه من متعة الكتابة ينتقل بالضرورة إلى القارئ الذي يلتقي معي في الذائقة الأدبية.

باستثناء أسماء قليلة، لماذا لا نسمع كثيراً عن أسماء براقة في الأدب الليبي، أم أن المشكلة في التسويق عربياً لهم؟

ثمة مشاكل في سوق الكتاب العربي، وفي الترويج والعلاقات العامة والأسس التي تقوم عليها الحياة الأدبية، خصوصاً في ما يتصل بالتوزيع واهتمام الدول بالثقافة. غير أن ليبيا مرت بحالة خاصة وحكم انتهج أسلوباً خاصاً يمنع النجومية ويعتمد على مسح الأسماء لا تكريسها، ويرفع شعار لا نجومية في المجتمع الجماهيري، وهو نظام كما نعلم استمر أربعة عقود أعقبته فوضى أوصلته إلى نصف قرن، وسبقته قبل ذلك حالة تصحر ثقافي بسبب المرحلة الكولونيالية، فكانت حلقات تتبع حلقات من البؤس الأدبي والثقافي، ولم يتبق إلا فرص قليلة وكوى ضيقة يخرج منها بصيص من نور الوطن في مجالات الأدب والفن.

انتشار

مجموعتك «البحر لا ماء فيه» التي صدرت في الستينيات، إلى أي مدى رسخت وجودك على الساحة الثقافية كأديب وازن؟

كانت شهادة ميلادي الأدبي، وممن أسهموا في تقديمها يوسف أدريس وصلاح عبد الصبور، وكتب عنها لاحقاً كتاب كبار في مصر ولبنان أمثال عبد القادر القط ويوسف إدريس ونقولا زيادة وفاروق عبد القادر. ولم يكن ثمة مجال للكتابة الأدبية غير القصة القصيرة لأن ظروف النشر لم تكن تسمح بغير هذا اللون الذي تطلبه الصحافة. أما الرواية فلم تتوافر آنذاك صناعة نشر تستوعب الأعمال الروائية، لذلك اقتصرت كتاباتي على هذا النوع الأدبي، بالإضافة إلى أعمال مسرحية شعبية وبرامج إذاعية وكتابات صحافية. ورغم أنني باشرت كتابة الرواية منذ عام 1967 فإنني لم أتمكن من نشرها في كتاب إلا عام 1985، ومُذاك تواتر صدور أعمالي الروائية مع استمراري في كتابة القصة، وبلغ عدد ما أصدرته من كتب في السرد قصيراً كان أو طويلاً 55 كتاباً.

تُرجمت أعمالك إلى لغات عدة. ما أهمية ذلك في مشوارك الأدبي؟

أهم الترجمات هي تلك التي نقلت أعمالي إلى الإنكليزية، ولدي رصيد كبير من الترجمات يصل إلى 15 كتاباً بين رواية وقصة ومسرحية، كذلك كان «اتحاد كتاب الصين» كريماً معي عندما نشر أربع روايات هي ثلاثية «سأهبك مدينة أخرى» و«حقول الرماد»، فضلاً عن عدد من القصص القصيرة والمقالات. وكانت اللغة الروسية إحدى أولى المحطات التي توثقت مع «اتحاد الكتاب» أيام اتحاد الجمهوريات السوفياتية، وثمة ترجمات فرنسية وإيطالية وألمانية وتركية وكردية وإيرانية.

«سأهبك مدينة أخرى» ضمن أفضل مئة رواية عربية

تعتبر ثلاثية «سأهبك مدينة أخرى» (سأهبك مدينة أخرى، هذه تخوم مملكتي، نفق تضيئه امرأة واحدة) أشهر رواية أبدعها أحمد إبراهيم الفقيه، إذ حققت شهرة واسعة وفازت بجائزة الإبداع التي يقدمها معرض الكتاب العربي في بيروت لأفضل عمل إبداعي، وترجمت إلى لغات عدة لتضع اسم ليبيا على خارطة الأدب العالمي، وصنفها «اتحاد الكتاب العرب» من ضمن أفضل مئة رواية عربية.

كتابتي تسير على طريق التخوم بين الواقع والخيال
back to top