مصر: حكومة مدبولي تفتتح عهدها بزيادة ثالثة لـ «المحروقات»
• الشارع هادئ في «إجازة الفطر»
• ترحيب بقرار السيسي سداد ديون الغارمين من «تحيا مصر»
بدأت حكومة مصطفى مدبولي، التي حلفت اليمين الخميس الماضي، عملها باعتماد قرار رفع أسعار المحروقات (المنتجات البترولية) بدءاً من صباح أمس، بنسب زيادة تدور حول 33 في المئة، في خطوة ستؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار في مصر التي يعاني معظم شعبها (100 مليون نسمة) انخفاض الدخول ومواجهة أزمة اقتصادية خانقة.
استيقظ ملايين المصريين من فرحة ثاني أيام عيد الفطر المبارك صباح أمس، على إعلان حكومة مصطفى مدبولي، الذي بدأ مهام منصبه رسميا الخميس الماضي، بدء تطبيق الأسعار الجديدة للمحروقات، في إطار سياسة تخفيض الدعم المقدم للمواطنين في مختلف صوره، وهي السياسة التي تروجها القاهرة باعتبارها أحد مكونات خطة الإصلاح الاقتصادي المعلنة منذ عام 2015 لإنعاش اقتصاد البلاد المتعثر، وانفردت "الجريدة" في عددها بتاريخ 12 مايو الماضي بتحديد موعد إعلان الزيادة التي تمت أمس.وبدأت محطات الوقود اعتبارا من الساعة التاسعة صباح أمس تطبيق الأسعار الجديدة للمحروقات، إذ أخطرت وزارة البترول محطات الوقود أن الأسعار الجديدة ستكون بواقع 5.5 جنيهات (الدولار بـ17.8) بدلا من 3.65 لبنزين 80، و6.75 جنيهات بدلا من خمسة جنيهات لبنزين 92، و7.75 جنيهات بدلا من 6.60 جنيهات لبنزين 95، كما تقرر زيادة سعر لتر السولار من 3.65 جنيهات إلى 5.50، ورفع أسعار أنبوبة البوتاغاز المنزلي من 30 جنيها إلى 50 جنيها، ومن 50 جنيها إلى 100 جنيه للاستخدام التجاري.وتعد هذه هي المرة الثالثة التي ترفع فيها الحكومة أسعار المحروقات في إطار اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، في نوفمبر 2016، وافق الأخير على إثرها على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار، وتبنت القاهرة إجراءات اقتصادية صعبة تضمنت تعويما للجنيه ورفع أسعار الوقود بتقليص الدعم المقدم لها في مطلع نوفمبر 2016، ثم رفع أسعار المحروقات في يونيو 2017، وإصدار قانون الضريبة المضافة وزيادة أسعار القطارات ومترو الأنفاق، التي كان آخرها زيادة أسعار تذاكر المترو في مايو الماضي، ثم إعلان زيادة أسعار الكهرباء ومياه الشرب الأسبوع الماضي.
وفور إعلان الزيادة الجديدة تسابق عدد من المصريين للتعبير عن غضبهم من الزيادة الجديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ جاء هاشتاغ "#البنزين" الأكثر تداولا على موقع "تويتر"، لكن التململ الشعبي ظل محصورا بالفضاء الإلكتروني، بسبب انشغال المصريين بالاحتفال بثاني أيام عيد الفطر المبارك، وحصولهم على إجازة رسمية تنتهي بالعودة إلى العمل يوم الثلاثاء المقبل.وفضل الكثيرون من أهالي العاصمة المصرية الاستمتاع بالإجازة بالتوجه إلى المدن الساحلية، مما أدى إلى حالة من الخمول والهدوء الحذر في الشارع المصري تحسبا لعودة الموظفين إلى أشغالهم منتصف الأسبوع الجاري، واحتكاكهم بزيادة أسعار المواصلات، إلا أنه من المتوقع أن يمر اليوم بسلام لتزامنه مع مباراة مصر أمام روسيا في بطولة كأس العالم لكرة القدم.وسيشعر المصريون جميعا بتداعيات القرار الذي يمس تفاصيل الحياة اليومية المختلفة، إذ ستزيد أسعار المواصلات المختلفة (حافلات النقل العام والميكروباص والتاكسي) بنسب مختلفة تدور حول نسبة 25 في المئة، وسيستغل بعض التجار غياب الرقابة على الأسواق لزيادة أسعار السلع الاستهلاكية بصورة مضاعفة، وقال بعض تجار الأدوات الكهربائية لـ"الجريدة"، إنه ستتم زيادة أسعار هذه المنتجات مع بداية يوليو المقبل بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة.من جهته، استبعد أستاذ علم الاجتماعي السياسي، د. سيد صادق، وقوع مظاهر تململ في الشارع على غرار ما شهده الأردن أخيرا، بسبب توقيت القرار الذي جاء في ثاني أيام إجازة عيد الفطر وبالتوازي مع انشغال المصريين بمتابعة أداء المنتخب المصري في بطولة كأس العالم، مضيفا لـ"الجريدة": "المشكلة أن عملية زيادة الأسعار باتت تخنق جيوب المصريين، وهو الأمر الذي قد يجعل عملية الغضب تراكمية وتصاعدية"، مطالبا الحكومة باعتماد برامج حماية اجتماعية للطبقات المتوسطة والأقل دخلا.
تبرير حكومي
وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا، أصدر بيانا مطولا لمحاولة شرح مبررات القرار، الذي مهدت له حكومة شريف إسماعيل خلال الأسابيع الماضية، قائلا إن القرار يأتي في إطار الإجراءات الحاسمة التي تتخذها الدولة للحد من الآثار السلبية التي خلفتها منظومة الدعم المشوهة التي استمرت على مدار سنوات طويلة على الاقتصاد المصري، لافتا إلى أن إجمالي دعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس الماضية بلغ 517 مليار جنيه.وأشار الملا إلى أن دعم المحروقات لم يحقق المطلوب منه وهو حماية البعد الاجتماعي، في ظل حصول الفئات الأعلى دخلا على الجانب الأعظم من الدعم، مؤكدا أن قيمة الدعم في الموازنة العامة للعام المالي 2018/2019، قدرت بحوالي 89 مليار جنيه، على أساس سعر خام برنت 67 دولارا للبرميل، وأن كل زيادة في سعر خام برنت حاليا ستؤدي إلى زيادة في قيمة الدعم بحوالي 3.5 مليارات جنيه.ولمح الملا إلى أن الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات لن تكون الأخيرة، قائلا إن الحكومة لاتزال تدعم مختلف أنواع المنتجات البترولية "ولم يصل السعر المحلي بعد إلى قيمة تكلفة إنتاجها، إذ يمثل الإنتاج المحلي نسبة حوالي 70 في المئة من الاستهلاك، ويتم استيراد الـ 30 في المئة الباقية"، لافتا إلى خطة حكومية لترشيد الاستهلاك، وأخرى تتعلق ببرامج الحماية الاجتماعية للفئات غير القادرة.في سياق آخر، استقبل المصريون بالترحاب قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس الأول، بسداد مديونيات جميع الغارمين والغارمات من خلال صندوق "تحيا مصر"، ويستفيد من القرار 960 شخصا معظمهم من النساء، وقال السيسي عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك": "سنسعى دائما لإعلاء الإطار الإنساني، وتنفيذ اللازم من إجراءات الحماية الاجتماعية للحد من مثل هذه الظواهر"، وأشادت منظمات حقوقية نسائية وأعضاء في البرلمان وأحزاب سياسية بالقرار الذي يخفف معاناة بعض فئات المجتمع.