الشاعرة هدى ماضي: في شعري لن أكون إلا أنا ومسيرتي الإعلامية حافز لأرى نفسي بعينٍ ثالثة
هدى ماضي، شاعرة عرفتها المنابر الأدبية وانتشرت قصائدها على صفحات المجلات والصحف اللبنانية والعربية، آخرها مشاركتها في ديوان مشترك لشاعرات لبنانيات في عنوان «شوق على ضفاف الغروب»، وهي تستعد لإصدار ديوانها الأول قريباً، بعد تأخر سنوات، رغم أن لها باعاً طويلاً مع الشعر واسماً لامعاً على الساحة الأدبية.
لديك مساهمات شعرية في المنتديات الأدبية وعلى المنابر وفي المجلات والصحف اللبنانية والعربية ولكن لم تجمعي قصائدك إلى اليوم في ديوان لماذا؟
كنت في التاسعة عشرة من عمري عندما أعددت أوّل كتاب لي، وذلك بتشجيع من الشاعر الكبير أسعد السبعلي الذي أشكر ربي أني عشت في زمنه ولو قليلاً من السنوات. علّمني ورعاني ورافقني بكل خطوة وسعى إلى ترتيب كل ما يلزم. وعلى مرمى خطوة من الطباعة توقفتُ لظروف خاصة، فغابت الفكرة عن وعيها في بالي. ومنذ فترة بدأتْ تستعيد قواها بإصرار مَن حولي مِن مقرّبين وأصدقاء، فقرّرتُ أن أجمع قصائدي وأعدّها للطباعة، وقريباً سيُبصر ديواني النور .دهشة ورومانسية
ماذا تعني القصيدة بالنسبة إليك؟
القصيدة هي روح تُفتّش عنّي فيّ قبل أن أصل إلى قلمي، هي دهشة ولهفة وصلاة، سحر الوقت وخمرته، تؤلفني قبل أن أكتبها .تعيشين الرومانسية في قصائدك لكنها رومانسية مجبولة بالمعاناة، هل الشعر وليد الألم وحده برأيك؟
في المبدأ المعاناة هي رغيف العمر ومن منّا لا يعاني؟ الحياة ليست روضاً من النرجس بل تكثر فيها الأشواك والعقبات، فالألم يترصّدنا أينما حللنا .الشعر بالفطرة كما قال الشاعر نزار قباني، وهو كالجنين يكبر في أحشائنا حتى يأتي أوان الولادة، قد يكون هذا الأوان فرحاً وقد يكون حزناً.أما رومانسيتي فهي مِن نِعَمِ ربّي وقد أثْقَلَتْها طفولتي الهادئة المشبّعة بكل عناصر الحب والاحتواء. منذ صغري تميّزتُ بالهدوء فكنت أختار لنفسي زاوية في المنزل لأرسم بالطبشور على لوحات من خشب، إلى أن لاحظ ذلك والدي، فراح يشجّعني ويهتمّ بشراء الألوان وكل ما يلزم، كذلك كنت أكتب الخواطر وبعض المقاطع الشعريّة وأدوّن يومياتي، وأوّل قصيدة كتبتها كانت على أثر وفاة أخي، كنتُ في ذلك الحين في الخامسة عشرة من عمري، وكرجت مسبحة قصائدي كالدمع على رخام الجرح .أين هو شعرك من الحياة اليوم، هل يعكس الواقع أم ترسمين فيه عالمك الخاص؟
للشعر وجوهٌ كما كلّ شيء في الحياة .أكتب الواقع فأغوص بين الوقت والمسافة والضوء والعتمة والدمع والشوق والحنين، وأنسج عالمي الخاص وأسكن فيه كلّما اشتقتُ إلى نفسي، أُبحر في زورق الكون كأنّي مجاز لنهر، أُجفّفُ جسدي من وقتٍ إلى آخر وأقفُ طويلاً في حنجرة الخيال .تتوجهين إلى الرجل في شعرك وكأنه الملهم ومصدر معاناة المرأة في آن، كيف تفسرين هذا التناقض؟
للرجل حيّز كبير جداً في كتاباتي الشعرية، هو ملهمي بكلّ طقوسه يتنقّل ما بين قلبي وعقلي، ما بين الحلم والواقع، وبين هذا وذاك اَخلق أقانيم وفصولاً، أقتله حيناً وأَلِدُه أحياناً. فالشاعر مزاجيّ في المطلق .حضور وبصمة
برأيك هل يفترض بالشعر أن يكون منطقياً ومقنعاً أم يحق للشاعر العبث في عوالم يصنعها وفق خياله؟
في الشعر لا افتراضات ولا قيود، فالشاعر يعبث بين المنطق والخيال وكلٌّ له حيثيته وخصائصه .أما بالنسبة إلي، فأُمَنْطِقُ الخيال وكأنّي أتنقّلُ على ورق الشمس، فأُوصِلُ إلى المتلّقي صُوَراً مُقنعة، أجعله يتمنّى أن يسكن في رحابها، كأنّي أدعوه إلى استنشاق الحياة بطريقة مختلفة. فالخيال أجمل بكثير من الواقع .أنت إعلامية وقدمت برامج تلفزيونية عدة، إلى أي مدى يغني الإعلام تجربتك الشعرية؟
الإعلام هو عالم واسع ندخل إليه من باب واحد لنرى أنفسنا أمام أبواب عدة، أغناني ثقافيّاً واجتماعيّاً ولغويّاً، ومن خلال أثيره استطعت أن أوصل كلمتي وإحساسي إلى قلوب كثيرين، فكان ذلك غذاءً روحيّاً ومعنويّاً وحافزاً لأن أرى نفسي بعينٍ ثالثة .بمن تأثرت من الشعراء وهل لهؤلاء حضور في قصائدك بشكل أو بآخر؟
لطالما استمالني شعر نزار قباني واليازجي وإيليا أبو ماضي وشعراء في وقتنا الراهن، ولن أنسى الحلاج هذا الشاعر الصوفيّ الذي يجلس قبالتي كلّما قرأته، تشدّني روحانيته فأنا روحانيّة إلى حدّ ما .أمّا عن حضورهم في قصائدي فيمكنني أن اقول إنّ لجمال شعرهم وعمقه بصمة في روحي بيد أني لن أكون إلّا أنا .متى بدأت علاقتك بالقلم؟
كنت ما زلت في الصفوف الابتدائيّة عندما كان والدي يعطيني الجريدة لأقرأ أمامه، حينها كنت أرى في عينيه الفرح والفخر. أما أنا فكان أجمل ما عندي أن أشمّ رائحتها على أصابعي، ذلك خلق عشقاً بيني وبين الحبر. كنت أشعر بأنّ للحبر نبضاً وصوتاً ورئة، ولاحقاً صرت أنتظر بفارغ الصبر فروض المواضيع الإنشائيّة كي أمارس لعبة الإبحار بين الخيال والحبر، فكانت مواضيعي تستحوذ على إعجاب وإشادة المسؤولين عن اللغة العربية في المدرسة .أنت ابنة منطقة كفرشيما القريبة من بيروت التي تميزت بأبنائها الأدباء والشعراء على مر العصور، إلى أي مدى تشرّبت من هذه البيئة المتسمة بالفكر والثقافة؟
كفرشيما هي عشقي الأوّل، هذه الأميرة التي أنجبت الأدباء والشعراء هي سليلة الفكر والثقافة والأدب والشعر، في ترابها تتنفّس جذور شجر الياسمين وفي هوائها عطر لا يشبه إلا نفسه. يكفيني فخراً بهؤلاء الأوائل الكبار سليم تقلا وشبلي الشميّل وناصيف اليازجي أن أنهل من مآثرهم ومن مَعينهم لأكون على ما أنا عليه .