على خلفية قراءة مقاطع من رواية «يا ليل يا عين... القاهرة، بيروت، دمشق، القدس»، عاش الجمهور أجواء الزمن الجميل الذي عبرت عنه المؤلفة، بعودتها إلى حقبتي الخمسينات والستينات، وهي فترة ذهبية في حياة الشرق، تميّزت بالشعراء العمالقة والفنانين الرواد، وأفلام الأبيض والأسود، والموسيقيين، والأمراء والسلاطين... والباشاوات، والبكوات، وملوك مصر وأهل بلاطها، وصحافيين بارزين، وملحنين مشهورين، فضلاً عن صحف ومجلات، وملاهي القاهرة، وصالات السينما في بيروت، وقصور دمشق، وأرصفة ميناء الإسكندرية، وشوارع القدس، وبلاط بغداد. كذلك الراديو والأسطوانات والميكروفونات والكاميرات ومقدمات الأفلام، والمسارح، والأوركسترا، والحفلات، وجمهور الطرب. ولا تغيب وجوه الفلاحات القادمات من دلتا النيل والأميرة الدرزية اسمهان وشقيقها فريد الأطرش، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وسامية جمال، وبديعة مصابني، ونور الهدى، وصباح، وفيروز.
محاكاة البهجة
استحضر المخرج والمسرحي حسن الجريتلي، وفنانو فرقة «الورشة» هذه الأجواء، وأعادونا إلى الحقبة الأسطورية المليئة بالحرية والطاقة والبهجة. يقول الجريتلي في هذا المجال: «نجوم الشرق في رواية «يا ليل يا عين» ينشرون البهجة والأمل في واقع محبط». ويناقش الفنانون العمل الروائي بما يحمله من حنين إلى الماضى وإلى الشخصية المحورية التي تمثلها مدن العالم العربي.يصاحب إلقاء مقاطع من الرواية تمثيل وموسيقى لأحداثها، وهي تجربة لا تتكرر كثيراً إلا مع الشعر، الذي يكون عادة في خلفية المشهد، أو تصاحبه موسيقى، كما في أمسيات الشاعر محمود درويش الشهيرة والأبنودي وغيرهما من شعراء. فتسرد القارئة نصوصاً من الكتاب مفعمة بالحرية، وترقص بأسلوب فنانات تلك الحقبة، ويعزف الموسيقيون ألحاناً ترن كصدى للنص بما فيه من أفكار وصور، يرافقه في الغناء مطرب ومطربة، وحكايات من الذاكرة الجماعية يحييها في خيالنا المخرج إذ يعرض علينا مشاهد ولحظات من هذا الزمن الجميل.ويُعد العمل استكشافاً للرواية بأصوات عدة تجمع بين الغناء والحركة والتراجيدية في آن، إذ تعطي لميا زيادة نجوم الشرق الصوت والحياة، فيما تولى حسن الجريتلي الإخراج، وشادي عاطف الصياغة الدرامية، وعيسى مراد العود والغناء، والفنانة آية الدكة الأداء الصوتي والحركي.تاريخ الفن
كتبت «يا ليل يا عين: القاهرة، بيروت، دمشق، القدس» اللبنانية لميا زيادة باللغة الفرنسية، وترجمه إلى العربية جان هاشم، وأصدرته دار «هاشيت أنطوان» في بيروت 2017.يربو الكتاب على 500 صفحة مليئة بالرسومات الملونة وبالأبيض والأسود التي تمثل الحكايات، وكأنه فيلم وثائقي طويل، ووضعت المؤلفة على الصفحة الأخيرة فيه كلمة «النهاية» كما نراها على الشاشة السينمائية في نهاية الأفلام المصرية القديمة، وقد أمضت الكاتبة لميا زيادة حسبما قالت خمس سنوات في إنجاز كتابها، إذ قرأت سير الفنانين وزارت أماكنهم، وتحدثت إلى أقربائهم وأنسبائهم، كذلك شاهدت أفلاماً استوحت منها رسوماتها. لتضع كتابها الذي يصفه كثيرون بالكتاب المرجعي الذي يؤرخ للفن العربي بعظمته وانكساره وخيباته على مدى قرن كامل.