في ستينيات القرن الماضي، اعتاد مغتصب متسلسل عُرف بـ«وحش جيرسي» التسلل إلى المنازل مرتدياً قناعاً ومهاجمة النساء والأولاد. شكّلت هذه القصة مصدر إلهام مايكل بيرس في Beast، إلا أنه لم يُعد سردها بدقة. في المقابل، يركّز العمل على الغوص في العلاقة والتفاعل بين شخصين يسيران على حافة الجانب المظلم من الحياة.تعكس وجهة نظر بيرس مدى اطلاعه على موضوع Beast. نلمس سلاسة طبيعية في وصفه المكان: مجتمع صغير متباعد يقع بين ثقافتين، الفرنسية والإنكليزية. أما بطلتنا مول (جيسي باكلي)، فتكبلها حدود الحياة في ذلك المكان. وينجح بيرس بطريقة مميزة وفاعلة في تصوير مدى انزعاجها من الناس المحيطين بها: أمها المتسلطة (جيرالدين جيمس)، وشقيقتها المتعالية باستمرار بولي (شانون تاربت)، والطالب الشاب اليائس في كلية الشرطة كليفورد (تريستان غرافيل) الذي يلاحقها بطريقة مثيرة للشفقة. في حفلة عيد ميلادها، تفكر مول في طبيعة الحوت القاتل في الأسر قبل أن تتوجه إلى حانة ليلاً لتمضي أمسية تتخلى فيها عن كل ضوابط أو وعي. عندما يحاول رفيق مول في الحانة فرض نفسه عليها في ساعات الصباح الباكرة، يخيفه صياد يُدعى بسكال كان يصيد الأرانب في الحقل. وسرعان ما تقع مول في حب هذا الرجل المتمرد الصامت الذي يحضر لها كتباً عن الحيوانات البرية ويمتلك قلبها، رغم كل احتجاجات والدتها.لكن مول متمردة، حتى إن أختها بولي تحذر بسكال من ماضيها المظلم، بما أنها طُردت من المدرسة بعدما هاجمت متنمراً بعنف. لكن الحب قلما يصغي إلى التحذيرات. يقع كل من مول وبسكال في حب أحدهما الآخر، فيروحان يمرحان في الحقول وبين الأمواج، رغم انتشار أخبار الفتيات الشابات اللواتي يخطفهن قاتل ويقتلهن.
أداء مذهل
يشكّل الفيلم وسيلة لعرض أداء باكلي المذهل. تتحول من شابة مقموعة تخشى صفات اللياقة المفروضة عليها في منزلها إلى كائن حر منطلق. ولكن متى تصبح الحرية مفرطة بالنسبة إلى مول؟ تعذبها كوابيس عنيفة ويخنقها التحقيق المتواصل في جرائم قتل الفتيات، الذي بات فيه بسكال المشتبه به الأول. هل تستند هذه القضية إلى أدلة أم أن الغيرة والتحيز يدفعان كليفورد إلى التركيز عليه؟ بغض النظر عن الحقيقة، تكذب مول بسهولة ومن دون أي تفكير لتحمي حبيبها.تتعرض مول لضغوط داخلية وخارجية تفوق طاقتها. ولكن فيما تنهار، نجهل ما هو حقيقي. مع هذا النص المتقن وتوجيهات بيرس الحكيمة، فضلاً عن أداء باكلي المتطور والدقيق، لا نعرف مطلقاً ما يجول في رأسها. كذلك يتمتع جوني فلين بغموض محترف في دور بسكال الغريب الأطوار، الذي تخال أنه وُلد من بحر جيرسي وأرضها، تلك الجزيرة المتأصلة فيه بقدر تأصله فيها.الغول يكمن داخلنا أحياناً
لا يشكّل استخدام جرائم وحش جيرسي الحقيقية كإطار موضوعي ارتكز عليه الفيلم ليستكشف الطرائق التي يتجلى بها الجنون أو لا يتجلى في العلاقات الرومانسية مجرد أساس استوحى منه بيرس عمله، بل يبدو أيضاً أشبه بعملية تطهير لابن جيرسي الذي كبر من تحذيرات من «الغول» في هذه الجزيرة المعزولة. فمع Beast، ندرك أيضاً أن الغول يكمن أحياناً في داخلنا أيضاً.