مسرحية... جنيف ضحكٌ على الذقون!
كمن يضع العربة أمام الحصان، فذهاب الدول التي تتقاسم الأدوار في سورية ومعها بضع "دزينات" من المعارضة المختلفة أكثر مما هي مؤتلفة، لصياغة دستورٍ لهذا البلد العربي الذي من سوء طالعه أنه بعد سلسلة انقلابات عسكرية أولها انقلاب الجنرال حسني الزعيم وآخرها انقلاب الجنرال حافظ الأسد قد انتهى إلى كل هذا التشرذم، الذي من الواضح أن لملمته تحتاج إلى جهود سنوات طويلة.إنّ المعروف أن لجان الصياغة هي التي تضع الدساتير وأن القرار النهائي هو للشعب المعنيّ كله ليقول رأيه فيها، مما يعني أنَّ "الثلاثي" الذي التقى في جنيف لصياغة دستور لبلد ممزق كل هذا التمزق كان عليه أن يتفق على لملمة شمل هذا البلد أولاً ولو بالحدود الدنيا ووضعه ولو فترة محددة تحت وصاية دولية لا تحت وصاية هذا الثلاثي، الذي هو سبب معظم الويلات التي حلَّت والتي لاتزال تحل بـ"القطر العربي السوري"!
لماذا هذه الدول الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، هي وحدها التي تنفرد بوضع دستور لسورية ومعها من أجل رفع العتب "ديكور" من المعارضة التي تنخرط الآن في الصراع على جلد الدب قبل اصطياده. أليس المفروض يا ترى أن يتم إنهاء الصراع في هذا البلد الممزق أولاً وإخراج كل هؤلاء الذين ذهبوا إلى جنيف منه والذين بخطوتهم هذه يريدون إعطاء نفوذهم فيه واحتلالهم له صيغة أو صيغاً دستورية وقانونية.لا روسيا، التي هي دولة محتلة مثلها مثل إيران ومثلها مثل تركيا، مؤهلة لوضع دستور من المفترض أنه للشعب السوري لا لنظام بشار الأسد ولا لهذه الدول الثلاث، فصاحب هذا الأمر هو هذا الشعب الذي بالإمكان أن تكون المعارضة ممثلاً له لو لم يتم تمزيقها على هذا النحو و"خلق" عشرات بل مئات المعارضات الوهمية إلى جانب فصائلها الرئيسية، التي كان من الممكن أن تحسم الأمور مبكراً لولا كل هذه التدخلات الخارجية التي عنوانها روسيا صاحبة قاعدتي "حميميم" و"طرطوس" وإيران المتوغلة في هذا البلد العربي حتى عنقها، وأيضاً... أيضاً تركيا الإردوغانية التي من المفترض أن تكون خارج هذه الدائرة.وعليه، فإن الأهم قبل مسرحية إعداد الدستور هذه أنْ يرحل الروس والإيرانيون والأتراك والأميركيون أيضاً من هذا البلد ويتركوه لأهله وشعبه، ويقيناً أنه إذا حصل هذا، والواضح أنه لن يحصل إلا على المدى البعيد جدّاً، فإن بشار الأسد لن يبقى في موقعه لحظة واحدة، وإنّ الشعب السوري سيعيد صياغة بلده سياسياً بطريقة ترضي الجميع وعلى أساس الاحتكام إلى انتخابات حقيقية وفعلية ونزيهة في النهاية، وهذا هو الأهم كثيراً من هذه المسرحية الثلاثية التي جرت وستجري في جنيف السويسرية.