يواجه الرئيس التركي المحافظ، رجب طيب إردوغان، الذي يتولى السلطة منذ 15 عاماً في تركيا، أكبر تحدٍّ في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة الأحد المقبل، إذ يواجه معارضة مصممة على إزاحته في حين يعاني الاقتصاد صعوبات متزايدة.وإردوغان الذي طرح نفسه بطلاً من العيار الثقيل في الحملة الانتخابية، فاز في الانتخابات بصورة متتالية منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الى السلطة في 2002، فأرسى تحولاً في تركيا من خلال سياسات اقتصادية موجهة نحو النمو وخط ديني محافظ ومواقف حازمة في السياسة الخارجية.
لكنه وجد على ما يبدو ندّاً في خصمه الرئيسي محرم اينجه، الخطيب المعروف بمواقفه الحادة، من حزب الشعب الجمهوري، حزب مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك، الذي يعد من يسار الوسط ولم يبد خشية من تحدي إردوغان وبشروطه.وما يعزز الاهتمام إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نفس اليوم، بموجب تعديلات دستورية سعى إليها إردوغان، ستمنح الرئيس التركي سلطات معززة وتلغي منصب رئيس الوزراء.ويأتي الاقتراع بعد نحو عامين على محاولة انقلاب فاشلة هدفت للاطاحة بإردوغان من السلطة، وكانت نقطة تحول رئيسية في تاريخ تركيا الحديث دفعتها نحو إطلاق أكبر عملية تطهير في السنوات الأخيرة بموجب حال طوارئ لا تزال مفروضة. واعتقل نحو 55 ألف شخص في حملة أثار حجمها توتراً كبيراً مع حلفاء أنقرة الغربيين.إن فوز إردوغان بضربة قاضية في الدورة الأولى وتحقيق غالبية برلمانية قوية لـ"العدالة والتنمية"، وحده سيمثل نصراً لا لبس فيه للرئيس التركي.ويعتقد كثير من المحللين، أن بإمكان اينجه فرض دورة انتخابات ثانية في 8 يوليو في حين يجازف "العدالة والتنمية" بخسارة أغلبيته البرلمانية في مواجهة ائتلاف غير مسبوق بين أربعة أحزاب من المعارضة.وقالت اليز ماسيكارد من المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية: "هذه ليس معارضة كلاسيكية اعتاد على مواجهتها خلال 15 عاماً ونجح نوعاً ما في التعامل معها وتهميشها". وأضافت: "إنها دينامية سياسية جديدة ازداد حجمها".عززت المعارضة موقفها بعد استفتاء على التعديل الدستوري في أبريل 2017 تمت الموافقة عليه بأغلبية ضئيلة. ومعظم استطلاعات الرأي التي ينبغي التعامل مع نتائجها بحذر في تركيا تلمح إلى عدم حصول إردوغان على 50 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى.ولا يزال إردوغان السياسي الأكثر شعبية في تركيا، ويجذب أحياناً تأييداً يكاد يصل حد التعصب في الداخل الأناضولي، إذ يعزى له الفضل في تغيير حياة الناس من خلال ازدهار اقتصادي أكبر.ويقول شعار على إحدى لافتات إردوغان الانتخابية المنتشرة في أنحاء البلاد "تركيا العظيمة تحتاج إلى قائد قوي".لكن الانتخابات تأتي في وقت تمر تركيا في أصعب فتراتها الاقتصادية رغم تسجيل نمو قوي، إذ ارتفعت نسبة التضخم إلى 12.15 في المئة وخسرت الليرة التركية 20 في المئة من قيمتها أمام الدولار هذا العام.وقرب إردوغان موعد الانتخابات التي كانت مقررة في نوفمبر 2019 في مسعى يراه محللون للانتهاء منها قبل أن يسجل الاقتصاد تراجعاً حاداً.وسعت المعارضة للاستفادة من مؤشرات على السأم من فترة حكم إردوغان الطويلة كما رددت صدى مخاوف الغرب من أن حرية التعبير تراجعت جذرياً خلال حكمه.وللمرة الأولى، اضطر إردوغان لتصرف برد فعل خلال الحملة الانتخابية، التي باتت المعارضة تحدد وقعها.وسارع للنفي عندما اتهمه اينجه بلقاء المخطِّط المفترض للانقلاب الفاشل عام 2016، فتح الله غولن. ولم يقدم إردوغان وعوداً برفع حال الطوارئ المفروضة منذ عامين، إلا بعد أن وعد منافسه الجمهوري بالشيء نفسه.وقالت أصلي ايدنتاشباش، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إن المعارضة قادرة على تحديد إطار النقاش في الانتخابات وهذا شيء جديد بالنسبة للسياسة التركية".وأضافت "إن حزباً يتولى السلطة كل هذه الفترة سيشهد، خلال فترة تراجع اقتصادي، تراجعاً (في التأييد) ويفقد هيمنته على المشهد السياسي".فيما يعتبر حزب الشعب الجمهوري نفسه حامياً لتركيا العلمانية والموحدة، سعى اينجه ايضاً لكسب تأييد الأقلية الكردية في تركيا التي تمثل حوالي خمس الناخبين. وقد جذبت حملة انتخابية لاينجه في ديار بكر معقل الأكراد في جنوب شرق تركيا، اهتماماً ملحوظاً. وشعاره الانتخابي "رئيس للجميع" كتب على صورة لأستاذ الفيزياء السابق يبدو فيها لطيفاً مبتسماً.وكثيراً ما لجأت المعارضة، التي تقول إن إردوغان حصل على تغطية غير متساوية مع الآخرين في وسائل الإعلام، إلى أساليب مبتكرة بل حتى فكاهية في الحملة.ونشرت مرشحة حزب "ايي بارتي" (الحزب الجيد) ميرال اكشينار والتي اعتبرت ذات يوم لاعباً رئيسياً قبل أن يفرض اينجه هيمنته على مستوى المعارضة، رسائل لا تخلو من الدعابة على إعلانات غوغل، بل ابتكرت لعبة كمبيوتر يتم فيها تدمير مصابيح كهرباء، شعار حزب "العدالة والتنمية".أما صلاح الدين دميرتاش، مرشح حزب "الشعوب الديمقراطية" الكردي، فخاض حملته من سجنه حيث يقبع منذ نوفمبر 2016. وأدلى بخطاب انتخابي من خلال هاتف زوجته، لكن سمح له ببث تلفزيوني انتخابي قصير على التلفزيون الحكومي، وإن كان في السجن.
30 ألف مجنس
إلى ذلك، نقلت قناة "إن.تي.في" التلفزيونية عن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قوله أمس، إن 30 ألف سوري سيدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية حصلوا على الجنسية التركية. وكان إردوغان قد منح الجنسية لآلاف اللاجئين الفارين من الصراع في سورية المجاورة. وتستضيف تركيا نحو 3.5 ملايين لاجئ سوري. ويعتقد محللون، أن هذه الأصوات ستذهب بمعظمها لإردوغان وحزب "العدالة والتنمية".F35
في سياق منفصل، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أمس، إن قرار مجلس الشيوخ الأميركي تمرير مشروع قانون يحظر بيع مقاتلات F35 فائقة التطور، التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن، لتركيا مؤسف ويتنافى مع روح الشراكة الاستراتيجية.وأكد يلدريم أن تركيا لديها بدائل، وأن مشروع القانون لن يضعفها.وكان مجلس الشيوخ الأميركي وافق أمس الأول، على مشروع قانون للسياسة الدفاعية حجمه 716 مليار دولار يدعم دعوة الرئيس دونالد ترامب لزيادة حجم وقوة الجيش ويشمل تعديلاً يحظر مبيعات هذه الطائرات لتركيا.حملة إردوغان تستعين بطائر الفينيق
نشر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس الأول، فيديو انتخابيا بصوته، يستعرض فيه مسيرة تركيا منذ الدولة السلجوقية وصولاً إلى فترة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم منذ 2002، على حسابه بموقع "تويتر"، وأرفقه بوسم "ZümrüdüAnka"، أي طائر الفينيق، الذي تقول الأسطورة إنه ينبعث من رماده بعد الموت.ويعرض المشهد بطريقة فنية تأسيس الدولتين السلجوقية والعثمانية، مرورا بفتح إسطنبول (القسطنطينية عام 1453)، والسعي من أجل الاستقلال، و"انجازات" المرحلة الحالية. وأرفق الرئيس التركي المشهد بعبارة "مد يدك الآن كي يبدأ أقوى عهد، فيحلّق طائر الفينيق من أجل تركيا". ويضيف أردوغان، ضمن المشهد: يا تركيا، أنت في بداية الطريق الذي يتردد صداه إلى الأبد (...) اعرفي ماضيك كي تكوني نورا لحاضرك (...) انظري إلى الطريق في الأفق، واحمي تاريخك وأجدادك وإخوانك".