سمر مزهر: «لبنان عزت مزهر» متحف متنقِّل ومرجع لمسيرة تشكيلية

لماذا كتاب «لبنان عزّت مزهر»؟

أردت في هذا الكتاب أن أُخرج أعمال النحات عزت مزهر إلى الضوء... وأؤكد حضوره الجميل المستمر بيننا من خلال أعماله. كذلك أردته متحفاً نقالاً لمنحوتاته ولوحاته، لتبقى حياته بين أيدينا خضراء ولأوزّع فنّه الجميل على من يقدّره ويحب أن يحتفظ بظلاله أمام ناظريه ويبقى حياً في الذاكرة، ومرجعاً لسيرته الفنّية في متناول الأجيال...

شكّل الكتاب محور لقاء عقد أخيراً في دبي في دارة الكاتب الشيخ سلطان سعود القاسمي، ما أبرز ما تضمن اللقاء؟

شمل اللقاء نظرة شاملة حول مسيرة الفنان عزت مزهر وأبرز محطاته، لا سيما متابعته سمبوزيوم النحت في لبنان الذي انطلق عام 1999 لغاية وفاته في 2009، ونقاشاً حول أعماله النصبيّة التي تتعدّى عشرين نصباً على مساحة الوطن.

كذلك دار قسم من اللقاء حول كتاب «لبنان عزّت مزهر» والمراحل التي رافقت العمل عليه بدءاً بكتابة النص (أحمد بزون) والتصوير (صالح رفاعي)، والإخراج (بسام قهوجي)، وصولاً إلى صدوره بلغات ثلاث: فرنسية وإنكليزية وعربية، فضلاً عن الصعوبات التي واجهت إصداره منذ انطلاق الفكرة لغاية ولادته كمتحف متنقّل يضم أكثر من 300 عمل فني. مثّل الجمعية في هذا اللقاء نائب رئيس «جمعيّة عزّت مزهر للفنون» ندى مزهر عاصي.

ما هي الخطوات التي رافقت توقيع كتاب «لبنان عزت مزهر»؟

بارك إصداره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. كان التوقيع الأول في صالون الكتاب في باريس في مارس الماضي برعاية وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ممثلاً بسفير لبنان في فرنسا الأستاذ رامي عدوان.

أما التوقيع الثاني فكان في جامعة الألبا في بيروت في 25 أبريل برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، رافقه معرض استعادي للفنان عزّت مزهر ضم أكثر من 140 عملاً فنيّاً بين نحتٍ ورسم.

قوة وإبداع

معروف أن للنحات عزت مزهر تماثيل في المناطق اللبنانية كافة، كيف رأى لبنان من خلال منحوتاته؟

رأى لبنان العريق في تاريخه وحضارته، الجميل في تنوعه واحتضانه. لذا تميزت منحوتاته بقوّة التأليف والحجم بالإضافة إلى نوع الحجر...

لطالما استفزّ الصخر عزت مزهر إبداعاً وفجّر فيه طاقاته الفكرية والفنية فتراه يفرح كطفل. هكذا أوصل أبسط الأفكار والمعاني، وأعطى العمل النحتي أساساً خاصاً بالتنوع، وأغناه وأبعده عن رصانة الخطوط. هنا يكمن الإبداع والقوة.

في الكتاب تحليل لأعمال عزت مزهر على مدى 40 عاماً، لا سيما في مرحلة السبعينيات لغاية وفاته في 2009، كيف تطور فنّه؟

لطالما تردد على متحف النحّات أوغست رودان الذي اعتبره أحد رواد النحت التعبيري، كذلك نهل من أفكار النحات الإيطالي مايكل أنجلو كونه يشترك معهما بتمثيل الجسد البشري.

شكّل رودان ذاكرة فنيّة عند مزهر كما أساتذته في أكاديمية الفنون الجميلة في باريس الذين تركوا بصماتهم على مساحة لوحته أو مسطّح منحوتته.

كذلك استفاد من أستاذه ألبرت زافارو (فرنسي من أصل أسباني) الذي درس في محترفه، في التنقل بين المدارس الفنية بسهولة، ومن أستاذه رينيه كولا ماريني (من أصل إيطالي) الذي كان مثالاً بمستويات مختلفة يبدأ بالواقع وينتهي بالتجريد، في فهم كيفية قطف الحركة في لحظتها. أما من النحات جان كاردو فاكتسب التركيز على الموضوع. ومن يعرف هؤلاء الأساتذة يدرك كيف ينتقل مزهر بخفة بين الاتجاهات والتعامل مع الواقع...

وكيف أثرت الحرب فيه؟

كان للحرب أثر في أعماله الفنية، دمج الحياة والواقع، ما تعلم وما اكتشف. عمل على كسر الحدود بين الاتجاهات الفنية التي تمتد من الكلاسيك حتى التجريد ووظف الأسلوب بحسب رياح الموضوع...

من 2000 حتى وفاته 2009 كانت مرحلة فهم الواقع المؤسف المحزن عنده، عالج أعماله الفنية بألوان الحزن. اعتمد الألوان الرمادية مع جزء من الأحمر الذي هو عنوان الثورة والتمرد على الواقع.

فن شمولي

تأثر عزت مزهر بالأحداث في المنطقة العربية لذا كان شمولياً في فنه. فهل يمكن القول إنه حمل بإزميله هم الإنسان فكانت منحوتاته صرخة مدوية في وجه الظلم؟

كان صاحب موقف وداعماً لكل قضية إنسانية من دون أن يكون متطرفاً. كذلك كان رفيق الانفتاح في أعماله الهادفة تأثراً بالواقع المر الذي يحيط به على المستويين الوطني والإقليمي. فكانت حركته الاحتجاجية ضرورية للتعبير عن أفكاره أولاً، ثم لشحن عمله الفني بالحركة والانفعالات الضرورية لمخاطبة عين المشاهد، وترك حركة اللون والإزميل حرة في تجريد التعبير. لذا كان سلاحه الإزميل والريشة.

رغم الموت والدمار اللذين عصفا بلبنان بقي يرسم الأمل وينحت الحياة. هل يعود ذلك إلى تمرده على طريقته لما يجري حوله؟

لا تزال الحرب تغتال أحلامنا في معايشة يومياتها المتوترة التي لا تنتهي، رغم الظروف تابع عمله في محترفه بصمت في انتظار فسحة مشرقة من الحياة، ليؤكد ارتباطه بالأرض وثباته على مبدأ الحياة والاستمرار.

ما أبرز المراحل في فن عزت مزهر؟

برزت ثلاث مراحل في حياته وفنه:

أولاً: عندما بدأ عزّت الصغير يرسم على الحائط في البيت وكان في الثالثة من عمره، فهمّت والدته لتضربه إلا أنه احتمى بوالده من دون أن يدري الأخير أن ابنه سوف ينحرف في طريق الفن. درس الديكور ليرضي والدته لأن الرسم والنحت لا تحبذهما العائلة.

المرحلة الثانية: رحلة الدراسة الأكاديمية في باريس التي كانت أشبه بشلال دافق أو بفيضان فني تلمّسه بقوة في المحترفات وصالات العرض والمتاحف، حيث تتعدد الرؤية وتأمل الحضارات والأساليب والتوجهات الفنية الحديثة ما يساعد على إمكانية التفاعل بحرية مع المناخ التعبيري.

المرحلة الثالثة: العودة إلى الوطن، أستاذ في الجامعة اللبنانية – نائب رئيس جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت. من منظمي سيمبوزبوم النحت في لبنان، تعاطى مع الحجر بصدق وحب وشقّ طريقه في الفن وهو يفتش عن أسلوب جديد وهوية جديدة. كان من أهدافه الأساسية إعطاء طلابه في الجامعة كل معلومة تفيدهم، لا سيما في النحت، وأمل بولادة فنانين من لبنان على مستوى الوطن.

خطوط وألوان

عزت مزهر رسام تشكيلي أيضاً فهل تتكامل اللوحة مع منحوتاته أم هي كيان مستقل بذاته؟

اللوحة عند الفنان هي قطاف يتحقق فيه حضور المشاعر. في بعض لوحاته يبدو كأنما ينحت بالريشة أو بالمادة اللونية بدل الإزميل... لوحاته تضج بالحركة كما منحوتاته، ويبدو ذلك واضحاً من خلال ضربات لونية متداخلة في بعضها البعض. كذلك اهتمّ بالخطوط الحادة والواضحة، ما يوهم بالبعد النحتي الثالث، ربما لإلغاء المسافة بين الرسم والنحت كما اللوحات الرمادية التي عمل عليها من 2000 لغاية 2009.